شيماء، ثلاثون عامًا، معلمة وناشطة حقوقية تسعى إلى الحصول على درجة الماجستير في مجال حقوق الإنسان. تعاني شيماء من قلق وتوتر يلازمنها بشكلٍ متكرر، في البداية ظنّت أنها ضغوطات الحياة والعمل، إلى أن تفاقمت حالتها، "كنت على استعداد للرحيل، ترك كل شيء خلفي والذهاب".
يؤثر اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي على حياة اليومية للمرأة المصابة، فتبدو مضطربة المزاج، وعدوانية.
منذ أن بلغت شيماء الثالثة عشر وهي تعاني من آلامٍ شديدة تتركها طريحة الفراش لأربعة أيام وأكثر. في كل شهر كانت تتكرر مع الطفلة ذات العوارض الموجعة، حتى أدركت العشرين عام، لِتُستبدلَ الأعراض البدنية بأخرى نفسية أشد حدة.
تقول شيماء إن الأعراض تبدأ قبل أسبوع إلى عشرة أيامٍ تقريبًا من دورتها الشهرية أي خلال فترة التبويض، "أشعر بشهية مفرطة، أريد أن آكل كل شيء، ثم ينقلب مزاجي فجأة، أحيانًا أبكي لساعات دون أية سبب". أثرتْ تلك الأعراضُ النفسية على حياة شيماء الاجتماعية والعملية، فقررت وضع حد لمعاناتها.
قبل مراجعة الأطباء قامت شيماء في البحث على الإنترنت عن أية عوارض تشبه حالتها، فوجدت أنها قد تكون تعاني مما يُعرف بـ "اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي (Premenstrual Dysphoric Disorder - PMDD)". على الرَغم من ملاحظتِها العلاقة بين دورتها الشهرية وحالتها النفسية لم يخطر لها أن الأمر بهذه الجدية وطالما اعتقدت أنه "طبيعي".
يختلف اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي عن متلازمة ما قبل الطمث التي تصيب معظم النساء، إذ تُعتبر أعراضه أشد وتؤثر على حياة المرأة اليومية وعلاقاتها الإنسانية. تفيدُ الجمعية الدولية لاضطرابات ما قبل الحيض أن 30% من النساء اللواتي شُخصنَ بالاضطراب في الولايات المتحدة أقدمن على الانتحار، لكن تجارب علمية أخرى تنفي تمامًا علاقة الدورة الشهرية بالانتحار.
لا تنكر شيماء أن فكرة الانتحار قد راودتها أحيانًا، ولعلها السبب الذي دفعها لطلب المساعدة، فلمن ذهبت شيماء؟ وما طريقة العلاج التي اختارتها؟ ولماذا أهمل العلم دراسة الجهاز التناسلي الأنثوي في الماضي؟
دورة التشخيص
الطبيبة النسائية كانت أول من طرقت بابه، ولم تجد الجواب الشافي، "الله يعينك، بدك تتحملي". حاولت الطبيبة النسائية وصف بعض المسكنات وإعطاء نصائح عامة للتخفيف من الأعراض البدنية مثل القيء، وآلام المفاصل والعضلات، وانتفاخ المعدة، لكن دون طرح تشخيص للاضطراب المذكور أو حتى التطرق لوجوده.
بعد مضي سنة تقريبًا، أعادت شيماء المحاولة من جديد لكنها ذهبت هذه المرة للطبيب النفسي. الأعراض النفسية لاضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي تتشابه مع أعراضِ اضطرابات أخرى مثل اضطراب ثنائي القطب وغيره؛ تعاني المريضة من انقلابات حادة في المزاج تصاحبها نوبات بكاء واكتئاب، و لذلك تنص القواعد الإرشادية في الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات النفسية (Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorder) على ضرورة ظهور هذه الأعراض خلال دورتان شهريتان متتاليتان قبل البت بالإصابة في الاضطراب.
وعلى المرأة تعبئة جدول الأعراض النفسية والبدنية يوميًا وعلى مدار شهرين على الأقل، من أجل تبيان العلاقة بين هذه الأعراض والدورة الشهرية:
وفقًا للدليل يجب ظهور هذه الأعراض قبل أسبوع من الدورة الشهرية، واختفائها خلال أول أيام الحيض. وأخيرًا شُخصت شيماء بالاضطراب إذ كانت تنطبق عليها على الأقل خمسة أعراض من مجموع الأعراض البدنية والنفسية، وهو الحد الأدنى للتشخيص. لكن ما الحد الأدنى للعلاج؟ هل المشروبات العشبية تكفي؟ أم يجب أن ترافقها مضادات الاكتئاب؟
دوائر العلاج
لا تقل رحلة العلاج صعوبةً عن أعراض الاضطراب المذكور، إذ ما زالت طريقة العلاج مُثلى قيد البحث، تقول شيماء إنه كان عليها تجربة عدة أنواع من العقاقير المضادة للاكتئاب، والمعروفة باسم المثبطات الانتقائية لإعادة امتصاص السيروتونين (Selective Serotonin Reuptake Inhibitors - SSRI) لإيجاد العقار الأنسب. وتُعد مضادات الاكتئاب أكثر الطرق فعالية في تخفيف أعراض اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي، فتشير الدراسات إلى أن من 60% إلى 90% من النساء اللائي يعانين من اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي استجابوا للعقاقير التي تعمل على زيادة مستويات السيروتونين في الدماغ.
قد تؤخذ هذه العقاقير يوميًا أو على فترات متقطعة، ومن الجدير بالذكر أنه هناك أنواع عقاقير أخرى تُوصف أحيانًا حسب الحالة وشدة الأعراض مثل وسائل منع الحمل الهرمونية، لذلك يجب استشارة طبيبك الخاص قبل الإقدام على أخذ أية عقاقير، لكن ماذا لو كنت تفضلين العلاجات البديلة؟
تخشى بعض النساء تناول الأدوية المضادة للاكتئاب لما لها من سمعة سيئة في ثقافتنا الشعبية، فيلجئن إلى العلاج بالطرق البديلة والطبيعية، كما أثبتت دراسة أردنية أجريت على 380 امرأة تعانين من متلازمة ما قبل الحيض واضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي، أن 11.4% منهم فقط أخذن مضادات اكتئاب وأدوية أخرى، أما الباقي اتبعن طرق طبيعية مثل، ممارسة الرياضة، والاسترخاء، و شرب الأعشاب، وأخذ الفيتامينات والمكملات الغذائية، والإقلاع عن شرب الكافيين والإكثار من تناول المأكولات التي تحتوي على الصوديوم.
تقول شيماء إنها حاولت اتباع نظام صحي وتغير بعض عاداتها الغذائية وإن هذا غير حياتها كليًا، لكن لا تستطيع الاستعاضة به عن الدواء. إن الذي تعاني منه شيماء يعد مضاعفًا مقارنةً بنساء أخريات شخصن بنفس الاضطراب، ولم يبت العلم لغاية الآن بالأسباب النهائية لظهور أعراض ما قبل الحيض واختلافِ حِداتها من امرأةٍ لأخرى.
دوائر مفرغة
فقط في عام 2013 أدراج الأطباء النفسيين اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي في قائمة الأمراض العقلية في الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات النفسية في نسخته الخامسة (DSM - 5)، أي قبل ذلك كان الاضطراب موجود تحت بند "غير مُصنف"، لكن هذا التصنيف وإن يظهر إيجابيًا لم يره بعض العلماء كذلك.
بحثت الدكتورة سارة غليرت، عميدة كلية الخدمة الاجتماعية في جامعة سوزان دوراك بيك، لسنوات في أعراض وكيفية تشخيص اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي وإذ ما كان فعلًا حقيقيًا أم تم افتعاله؟
لا تزال أسباب الإصابة في المرض مجهولة، لكن الدراسات تشير إلى أنه وراثيًا بنسبة كبيرة، فمعظم من سجلنّ إصابتهِنَّ في المرض أشرنّ أن أمهاتهم كنّ يعانين نفس الأعراض.
قامت غليرت بإجراء دراسة للتأكد من صحة نسب الإصابة المُرفقة في الدليل، فأظهرت النتائج أن نسبة السيدات المصابات بالاضطراب في الولايات المتحدة هي أقل من 1% مقابل 5% لـ 8% في الدليل. وهذا التباين الجلي أيقظ مخاوف غليرت في استخدام الاضطراب كحجة ضد المرأة وزيادة الوصمة أن النساء غير عقلانيات، وأيضًا استغلاله من قبل شركات الأدوية لجني الأرباح.
تتفاوت نسب الإصابة من منطقة جغرافية إلى أخرى، ففي الأردن مثلًا أظهرت دراسة أجريت على 300 سيدة أن 14% منهن مصابات بالاضطراب، في اليابان لم تتجاوز نسبة الإصابة ال6% من أصل 303 سيدة، في قطر وصلت نسبة الإصابة 15% من بين 194 سيدة.
قد يكون اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي حالة مرضية نادرة أو صعبة التشخيص والفهم، ما تريده شيماء والنساء الأخريات المصابات هو أخذ المرض بجدية أكثر من قبل المجتمع الطبي والناس، "لا أعلم لماذا لا يكترث أحد".