الضغوط النفسية

الضغوط النفسية.. عدو أم صديق؟

يحدث أن تتعرض لموقف بسيط لا يستدعي حتى أن تأخذه على محمل الجد، فإذا بك تشطاط غضبًا وتدخل في نوبة من الانفعال العصبي غير المبرر؟ حسنًا عزيزي اطمئن على قواك العقلية، إنها تراكمات الضغوط النفسية التي أنهكتك، فكانت القشة التي قسمت ظهر البعير"، ولست وحدك في ذلك؛ فجميعنا يمر بفترات صعبة، لكن طريقة تعامل كل منا معها، هي ما يختلف.

وأنت..

استجابة الجسم للضغوط النفسية

تختلف تلك الاستجابات من شخص إلى آخر، لكنها تتفق جميعًا في تأثيرها السلبي البالغ على حياة الشخص إذا استمرت دون تدخل. فقد تتملكنا المشاعر السلبية لتضعنا أمام خيارين كلاهما مر، فإما أن تتركنا عالقين في مواقف وذكريات سيئة حدثت في الماضي، أو أن تشكك في قدرتنا على التعامل مع المواقف الحالية، وتتركنا في حالة خوف شديد من المستقبل.

استجابة الجسم للضغوط النفسية

الضغوط النفسية ليست دائمًا سيئة

ما هي ردة فعلك إذا أخبرك أحدهم أن التوتر قد يكون مفيدًا لصحتك، وأن الضغوط النفسية التي تتعرض لها تساهم في تشكيل شخصيتك وتنميتها وتعزيز مرونتك في التعامل مع المواقف؟ لعلك تعدها مزحة، أو تعتقد أنه لم يتعرض قط لمواقف صعبة ما يجعل حكمه على الأمور سطحي وغير واقعي.

يعتقد الكثيرون أن التوتر والضغوط النفسية التي نتعرض لها في حياتنا اليومية هي الوحش الكاسر الذي يدمر حياتنا، ويمنعنا من الاستمتاع بالأشياء التي نحبها. قد لا يكون هذا الاعتقاد خاطئٍ تمامًا، ولكن ينقصه جانب مهم للغاية، وهو أن ما نشعر به ونحن غارقون في هذه الضغوط، يجعل التركيز على الجانب المشرق صعبًا للغاية، فمشاعر الإحباط والقلق التي تسيطر علينا وقتها، قد تمنع التفكير المنطقي، خاصةً إن فقدنا السيطرة على الأمور وانغمسنا في هذه المشاعر. 

لذا، في المرة القادمة التي تشعر فيها أن التوتر والضغوط النفسية تهيمن على حياتك، فكر في التأثيرات الإيجابية التي قد تلعب فيها تلك الضغوط دورًا، مثل:

تعزيز وظائف الدماغ المعرفية

لعلك تدرك جيدًا السؤال الذي يُطرح في معظم مقابلات العمل الأولى: هل أنت مستعد للعمل تحت ضغط؟

فتعد نفسك للإجابة عن هذا السؤال بالإيجاب، كوسيلة لإقناع القائمين على العمل بتوظيفك، لكن دعني أخبرك أنك تتمتع حقًا بمهارة العمل تحت الضغط، بل وتتقنها.

قد لا تستمتع بشعور التوتر الذي ينتابك قبل البدء في أي مهمة اقترب الموعد النهائي لتسليمها، لكن على عكس ما تتوقع، فإن تلك المعدلات البسيطة من التوتر -التي لا تصل بك إلى حد التأثير على صحتك الجسدية والنفسية- يمكنها أن تعزز الوظائف الإدراكية والمعرفية للدماغ في محاولة من الجسم لمساعدتك على إنجاز المهام المطلوبة، حيث يساهم التوتر في تعزيز التواصل بين الخلايا العصبية، ما يساعد على زيادة التركيز والإنتاجية.

هذا ما توصل إليه الباحثون في جامعة "بيركلي" في إحدى الدراسات التي أُجريت على الفئران، فالأحداث المجهدة التي تعرضت لها تلك الفئران تسببت في تمايز الخلايا الجذعية في أدمغتهم إلى خلايا عصبية جديدة، ما أدى إلى تحسين الأداء العقلي لديهم خلال أسبوعين.

لذا، في المرة القادمة التي تشعر فيها بالتوتر لاقتراب مواعيد التسليم النهائية للمهام المطلوبة منك، ثق بقدرتك وتأكد من أن ذلك الشعور ما هو إلا حيلة دفاعية يلجأ إليها دماغك لتعزيز قدرتك على التفكير وإنجاز المهام.

اقرأ أيضاً:  تفقد الهاتف بعد الاستيقاظ | لماذا يجب أن نبتعد عن هواتفنا؟

إذا كنت تشك في الفوائد الصحية للتوتر، يمكنك إجراء تقييم ذاتي لأدائك في الأيام التي تعاني فيها قدر أكبر من التوتر في العمل. قد تكتشف أنك أكثر تركيزًا وإنتاجية في تلك الأيام مقارنة بالأيام التي لم تتعرض فيها لذلك التوتر.

استجب لنداء الجسم للتواصل

في كثير من الأحيان التي نتعرض فيها للضغوط النفسية، قد نلجأ إلى اعتزال الناس وتجاهل نداء المخ بضرورة الإفصاح عما يدور به لأحد المقربين، فعند التعرض لتلك الضغوط، يلجأ الجسم إلى إفراز هرمونات مثل الأدرينالين والكورتيزول المتسببان في التأثيرات العديدة التي نلاحظها في حالة التوتر، مثل ارتفاع ضغط الدم وتسارع ضربات القلب ومعدل التنفس، لكن وفي الوقت نفسه، يفرز الجسم بعض الهرمونات الأخرى التي تضمن التوازن في الاستجابة للتوتر، مثل هرومون "الاوكسيتوسين".

يرتبط "الأوكسيتوسين" بمشاعر الحب والتواصل الاجتماعي، فيدفعنا للتواصل مع الآخرين والتعبير عما يشغلنا ويتسبب في شعورنا بالضغط. لذا، لا تستسلم للعزلة التي تعطيك شعورًا وهميًا بأنها حلًا للمشكلة، بل استجب لنداء جسدك بالحديث عن الأمر لأحد المقربين.

الضربة التي لا تقتلك تجعلك أقوى

تذكر معي أحد المواقف السابقة التي اعتبرتها -حين حدوثها- أصعب موقف مررت به في حياتك، هل تتذكر شعورك حينها وكيف كرهت تعرضك لتلك المواقف، واستنزافها لك؟ والآن فكر بالمواقف التي تعرضت لها مؤخرًا، وكيف مررت بأحداث قد تكون أصعب بكثير، ولكن الفرق الواضح هو طريقة تعاملك المرنة مع تلك المواقف، فقد جعلتك الضغوط النفسية السابقة شخصًا أقوى وأكثر حكمة ومرونة.

عندما تواجه شيئًا ما لأول مرة، قد تعتقد أنه أسوأ موقف قد تتعرض له في حياتك، وقد تنهار لأنك لا تدرك كيفية التعامل معه، ولكن بينما تواجه مواقف حياتية مختلفة وتتغلب على مشكلات شتى، فإنك بذلك تعزز مرونتك وتدرب نفسك على التعامل مع مواقف مماثلة قد تتعرض لها في وقت لاحق.

كيف نتعامل مع الضغوط النفسية؟

نتعرض جميعًا وبصورة شبه يومية للعديد من المواقف والضغوط النفسية التي تحتم علينا إيجاد طرق فعالة للتعامل معها، ولعل أهم ما يجدر التحلي به للتعامل مع مثل تلك الضغوط ألّا يكون الهدف الأول هو التخلص منها أو من المشاعر الصعبة التي تتسبب فيها، بل يجدر تعلم كيفية التعامل معها، حتى لا تؤثر على حياتنا بالسلب. الأمر صعب في بدايته -بلا شك- كما الحال عند محاولة اكتساب أي مهارة جديدة لكنه يستحق بعض العناء في بدايته ليعطي ثماره بمجرد التمكن من تلك المهارات.

كيف نتعامل مع الضغوط النفسية

أخيرًا، قد تبدو كثيرًا من أهدافك مستحيلة في الوقت الحالي نتيجة ما تتعرض له من ضغوط نفسية، ولكن تذكر دائمًا أن طريقتك في التعاطي معها هو يجعلها دافعًا قويًا للتقدم في الحياة أو ضربة قاضية قد تودي بمستقبلك، وأن الحل ليس بمصارعة تلك الضغوط والمشاعر الصعبة التي تنتابنا في كثير من الأحيان أو تجاهلها حتى تتفاقم، بل في إيجاد الطريقة لتحويلها من عدو لدود يدفعك للاستسلام إلى صديق داعم يأخذ بيدك ويجعلكأكثر مرونة في مواجهة المواقف المختلفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share