لماذا لا يتفاعل الناس إلا مع عدد محدود من الميمز؟

دليلك العلمي لصناعة "ميم" واسع الانتشار

شيماء..شيماء..شيماء..شيماء..

إذا كنت كنت قرأت هذا الاسم بلحن متقطع وتشديد مطول على الياء، فعلى الأغلب قد علقت بذهنك الأغنية الشعبية المصرية التي حملت نفس الاسم، وتصدرت المشاهدات على موقع يوتيوب في عدة دول عربية خلال أيام من إطلاقها. يمكن وصف هذه المقطوعة بأنها "ميم"، وهو مصطلح يمكنه التعبير عن أي فكرة أو سلوك أو أنشودة يمكنها الانتشار بين الناس، والتحور تدريجيًا خلال انتشارها. على سبيل المثال، بعد انتشار أغنية شيماء سرعان ما ظهرت متحورات منها تقول "إسراء إسراء"، لنعد إلى قصتنا.

وُلد مصطلح ميم /Meme من قلب العلوم البيولوجية، حيث صكه عالم الأحياء التطورية "ريتشارد دوكينز" ليكون نظيرًا لكلمة جين/Gene. فبينما يعد الجين هو وحدة نقل المعلومات البيولوجية بين الأجيال، يصبح الميم وحدة نقل المعلومات الثقافية، مع بزوغ عصر الإنترنت والسوشيال ميديا سرعان ما أصبح مصطلح ميم يعبر عن فيديوهات أو صور تحمل نصًا تعبر عن موقف معين بشكل فكاهي، وهو الشكل المألوف لنا.

نظرًا لقدرتها الهائلة على الانتشار أصبح للميمات استخدام واسع في مجال التسويق، وفي الحملات التوعوية، وكأداة للتعبير عن الآراء والتوجهات السياسية، كما تستخدمه بعض المجلات العلمية مثل ساينتفيك عرب في تبسيط العلوم 😁. ويعد وسيلة للتواصل بين الناس يصفها بعض علماء الاجتماع أنها تتجاوز حواجز اللغة والثقافة.

هل جربت من قبل تصميم ميم بنفسك لتفاجئ بأنه أحدًا لم يتفاعل معه سوى صديقك المقرب؟

لا داعي للشعور بالحرج، فحالك مثل الكثيرين، تشير الدراسات أن نسبة قليلة جدًا من الميمز تصبح واسعة الانتشار بينما يقبع أغلبها في الظل. تقصينا الأبحاث التي تدرس سبب ذلك التفاوت، ومنها نقدم لك دليلًا لإرشادات قد تساعدك على صناعة ميم واسع الانتشار.

اعرف جمهورك أو خاطب الجميع

أولى المعلومات التي تحتاج معرفتها هي أن الميم الذي ستقوم بإعداده سيولد في عالم مزدحم لا يرحم. تشير دراسة نُشرت في دورية Scientific Reports العام الجاري أن عدد الميمز يتزايد بشكل مضطرد، حيث يتضاعف حجمها كل 6 أشهر تقريبًا، تتصارع الميمات فيما بينها للحصول على اهتمام الجمهور، لينتشر بعضها ويتحور، ويفنى البعض الآخر.

لكي يتسيد الميم الذي أعددته عليه أن يطغى على سابقيه

في دراسة بعنوان "التنافس بين الميمات في عالم محدود الاهتمام" نُشرت عام 2012 في دورية Scientific Reports أوضح فريق دولي من الباحثين أنه رغم تزايد حجم الأخبار والميمز وغيرها على الإنترنت مع مرور الوقت فإن حيز الاهتمام أو متوسط التفاعل لكل فرد يظل ثابتًا إلى حد كبير. وهو ما يعني أن الميم الذي أعددته، عليه أن يطغى على الميمات السابقة له لينتشر.

بقدر ما يبدو ذلك محبطًا، يشير الباحثون إلى أن الجمهور عادةً ما يتفاعل مع نفس القضايا التي تفاعل معها من قبل. يعني ذلك في حال كان محيطك من المهتمين بالفن فكر بصناعة ميم عن الفن، وإن كانوا مهتمين بكرة القدم فإن ميم عن كأس العالم قد يكون فكرة أنسب.

ماذا لو لم يكن لك معرفة بطبيعة الجمهور؟ نفذ الخطة ب التي تستهدف فيها أوسع مدى من الجمهور. بحسب دراسة نشرت عام 2013 في نفس الدورية فإن ما يميز الميمات الأكثر انتشارًا هو قدرتها على التسلل بين جمهور متنوع وجذبه رغم اختلاف اهتماماته، فكر مثلا في ميم "وحيد للأبد" أحد أكثر الميمات انتشارًا على الإنترنت.

اقرأ أيضاً:  بعض المضادات الحيوية قد تؤدي إلى تمزق الشريان الأورطي
يعد ميم "وحيد للأبد" من أكثر الميمات التي لاقت انتشارًا على الإنترنت

دع الفن للفنانين

بشكل عام تصنف الصور عالية الجودة ذات الألوان البراقة على أنها أكثر جمالًا لمستخدمي الإنترنت ومواقع الفوتوجرافيا مثل فليكر، لكن ما دخلك بالجمال؟ في حواره مع مجلة فوكس يقل أحد العاملين بشركة تسويق تقوم على صناعة الميمز أن أكثر الميمز التي صنعها وانتشرت كانت تلك التي صنعها في دقائق، بينما خسرت التي بذل فيها مجهود تصميمي.

رسم بياني يوضح الألوان الأكثر شيوعًا في عينة من الميمز الشائعة على منصة reddit
Source: Barnes et al. Appl Netw Sci (2021) 6:21

بحسب دراسة حديثة نشرت العام الجاري في دورية Applied science network فإن الألوان القاتمة مثل الرمادي والبني كانت أكثر شيوعًا في الميمات واسعة الانتشار. وبينت الدراسة أيضًا أن الميمات الشائعة تتمتع بحجم صورة مصغرة/Thumbnail أكبر وهي جزء الصورة الذي يظهر قبل الضغط عليها. 

خير الكلام ما قل ودل

من نفس الدراسة وجد الباحثون ارتباطًا بين طول النص وشيوع الميم، فكلما قل حجم النص كانت احتمالية انتشار الميم مرتفعة. ينطبق ذلك على النص الموجود داخل الصورة أو الوصف المكتوب أعلاها، كما تشير دراسة أخرى إلى أن الأمر نفسه ينطبق على #الهاشتاجات، وهي علامة يضعها مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في وصفهم على المنشورات.

تلاعب بالمشاعر 

من خلال تحليل نص المقالات التي نُشرت في دورية NewYork Times على مدى 3 شهور، توصل فريق أمريكي من الباحثين أن المحتوى الإيجابي أكثر انتشارًا من السلبي، لكن النتائج توضح أيضًا أن العامل الأهم هو أن يكون المحتوى مثيرًا، حيث كانت الأخبار الإيجابية المثيرة للإعجاب والذهول (الحوت الأزرق يأكل 16 طن يوميًا)، والسلبية المثيرة للقلق والخوف أكثر من انتشارًا من سواها التي تدفعك للحزن مثلًا.

قد لا تنطبق النتائج على الميمات البصرية أو الصور، حيث تبين دراسة حللت قرابة 130 ألف ميم في بدايات انتشار جائحة كوفيد أن الميمات الغير مُحملة بمشاعر مثيرة كانت أكثر انتشارًا، وبين المحملة بتلك المشاعر كانت السلبية أكثر انتشارًا من الإيجابية، على كلً، يعود ذلك إلى طبيعة الفترة التي تم تحليل البيانات فيها.

ففي دراسات اُجريت في ظروف أخرى على الميمات كانت المحتوى الإيجابي أكثر انتشارًا، خاصة أن الهدف الأساسي من الميمات هي الفكاهة. يشير علماء النفس أن الميم الناجح هو الذي ينقل للمشاهد رسالة خفية تقول "ما تمر به يحدث مع الكثيرين حول العالم".

شاهد أيضاً التلاعب العقلي.

كن مميزًا

يتكون الميم البصري من صورة تُعرف بالقالب وتُعد العلامة المميزة للميم، مع انتشاره يقوم المستخدمون بتغيير أجزاء من النص أو الصورة وهو سبيل انتشار و نجاح الميم. في حال ودت أن يكون الميم الذي تعده واسع الانتشار عليك أن تحرص على أن يكون مميزًا. 

تمثل كل عقدة في الرسم البياني ميم، وكلما زاد حجم ولون الخطوط الواصلة بين ممين دل على تشابه بينهما. يمكن ملاحظة أن العقد البرتقالية وهي الميمات التي حازت على تفاعل واسع محاطة بعدد قليل من الخطوط بما يدل على اختلافها عن سواها.
Source: Coscia, M., 2014. Average is Boring: How Similarity Kills a Meme's Success. Scientific Reports, 4(1).

باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي تبين دراسة شملت أكثر من 300 ألف ميم متفرعة من أصل 562 قالب، علاقة بين اختلاف الميم عن سواه بصريًا أو من ناحية النص ومدى انتشاره.

الخطوة الأهم 

 الآن و قد امتلكت أدوات صناعة ميم واسع الانتشار، يتبقى لك تحديد كيفية استخدامها. بسبب سرعته في الانتشار يمكن للميم ان يكون أداة لتأجيج خطاب الكراهية والعنف، والمعلومات المغلوطة، لكنه أيضًا قادر على رسم البسمة على الوجوه، ومساعدة من يعاني من نوبات الاكتئاب، التأقلم مع متغيرات الحياة ونشر معلومات مفيدة للجمهور.

2 comments
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share