مركبتنا الفضائية بحالة جيدة، لقد تمكنا للتو من تحقيق أبعد تحليق، مستعدون لدراسة «ألتما-ثولي - Ultima Thule»، العلم يساعدنا على فهم أصل مجموعتنا الشمسية.
هكذا أعلنت «أليس بومان» مديرة عمليات مهمة مسبار «نيو هوريزون - New Horizons» الفضائي في أولى أيام عام 2019، نجاح المسبار في الوصول إلى أبعد جسيم فضائي تم استكشافه حتى الآن، على بعد يصل إلى 6.5 مليون كم من كوكبنا.
أطلق على الجسيم اسم «ألتما ثيولي - Ultima Thule»، والذي يعني «خارج حدود عالمنا المعروف»، بينما أظهرت أولى الصور التي كشفت عنها وكالة الفضاء الأمريكية ناسا بالأمس، أنه مكون من جسمين كرويين ملتحميين ببعضهما، يعتقد العلماء أنهم التحموا في بداية تكوين نظامنا الشمسي قبل قرابة 4.5 مليار سنة.
إلى جانب صورة «ألتما-ثيولي» التي تشبه رجل الثلج، شاهدنا في ثاني أيام عام 2019، أول صورة واضحة للجانب البعيد من القمر، بعد أن تمكنت وكالة الفضاء الصينية من تحقيق هبوط ناجح على ذلك الجانب الغير المستكشف من قبل.
مع تلك البداية المشوقة للعام الجديد، يتوقع أن تتحقق المزيد من الإنجازات العلمية في عام 2019، والتي زرعت بذورها في الأعوام السابقة، فبينما تنمو الأبحاث العلمية عامًا بعد عام، يمكنها أن تحقق إنجازًا ضخمًا، ربما بضخامة ديناصور!
1. سابع ديناصور مصري والبحث عن أقزام البشر
بعد نجاحه في اكتشاف سادس ديناصور مصري وتوثيقه في دراسة نشرت في دورية «نيتشر إيكولوجي آند إيفلوشن - Nature Ecology and Evolution» أوائل العام الماضي؛ يشير الدكتور «هشام سلام» مكتشف ديناصور «منصوراصورس»، ومدير مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية في حديثه لـ «ساينتفيك عرب»، أنه وفريقه بصدد الإعلان عن اكتشاف سابع ديناصور مصري، وأنواع جديد من الثدييات والحيتان والأسماك، مع دراسة لحفريات روث آكلات لحوم يقارب عمرها 37 مليون سنة. لذا لنربط أحزمتنا ونستعد لرحلة جديدة عبر الزمن لاستكشاف الحياة والبيئة القديمة للمنطقة.
ينوه سلام كذلك على أن المكتشفات هي بمثابة «حلقات جديدة توضح التاريخ القديم للمنطقة، إلا أن بعضها قد لا يتم الانتهاء منه خلال العام الحالي» على حد قوله.
ونجح مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، الذي اعتمد بشكل رسمي من مجلس جامعة المنصورة شهر مايو الماضي، في تنظيم 11 رحلة استكشافية ناجحة في عام 2018، وتدريب 50 طالب من جامعات مختلفة، بينما يخضع المركز لعمليات تطوير، يتوقع سلام أن يتم الانتهاء منها شهر مارس/آذار القادم.
من ناحية أخرى قد يقدم عام 2019 المزيد من الأدلة التي تفسر أصل البشر، يشير تقرير موقع «نيشر» في توقعاته للعلم في 2019، أن المزيد من الأحافير التي تكشف أصول البشر القديمة قد تبرز من جنوب شرق آسيا، والتي أصبحت محط أنظار علماء الآثار والأنثروبولوجي منذ اكتشاف شبيه البشر القزم «هومو فلوروسينس - H. floresiensis» في جزيرة فلوريس بأندونيسيا عام 2003.
لا يزيد طول البالغ من إنسان فلوريس عن 1.1 متر فقط ويعتقد أنه عاشر البشر من نوعنا «هوموسابينس - Homo sapiens» لآلاف السنين، ويفترض أن لنوعنا دور في انقراضه قبل قرابة 50 ألف سنة، إلا أن المزيد من الأبحاث ضرورية لحل الألغاز المتلعقة بإنسان فلوريس القزم.
بالعودة مجددًا إلى القارة الأفريقية، وثقت دراسة نشرت نهاية العام الماضي في دورية «ساينس - Science»، أقدم استيطان لأوائل البشر في شمال أفريقيا، من خلال أدوات حجرية يقارب عمرها 2.5 مليون سنة، بينما وثقت أخرى لأقدم أدلة على وجود أشباه البشر في شبه الجزيرة العربية، والذي يقدر بنصف مليون سنة.
ويسعى كل الفريقين لاستكمال أبحاثهم بهدف العثور على دليل من العظام البشرية المتحجرة، والتي عادة ما تكون نادرة للغاية. تكشفت تلك العلوم التاريخ القديم للأرض ومناخها وبيئتها، وتقدم الأدلة عن أصل البشر، بينما يقوم العلم أيضًا بتحسين حياة البشر في عصرنا الحالي.
2. طب المستقبل
«مستقبل الطب» هو عنوان الملف الرئيس الذي تصدر غلاف مجلة «ناشونال جيوجرافيك العربية» في عدد يناير/ كانون الثاني من عام 2019، وتضمن الملف عدة مقالات تقدم رؤيتها لمستقبل الطب، بناءً على تطور التقنيات الرقمية والبيولوجية.
يشير «دانيال كرافت» في مقالته الافتتاحية للملف بعنوان: «مستقبلك الطبي، موصول وفائق التقنية»، إلى أننا على أعتاب حقبة سيتحول فيها الطب من رعاية عرضية قائمة على رد فعل بعد أن نصاب بالمرض، إلى حقبة طبية تعتمد على الرعاية المستمرة وتعمل على درء المرض قبل حدوثه.
مستشهدًا بذلك تقدم بالتقنيات الرقمية مثل الشرائح واللاصقات التي بإمكانها إنجاز رسم القلب وقياس معدل التنفس وتحديد معدل سكر الدم وغيرها من المؤشرات الحيوية، ومن ثم تسجيل البيانات في قواعد بيانات طبية ضخمة، ووفقًا لتقرير كلية الطب بجامعة ستانفورد الأمريكية، فإن بيانات الرعاية الصحية تنمو بمعدل يقارب 50% سنويًا.
وفي نفس الملف كتب «فران سميث» تحت عنوان «طب حسب الطلب»، أن التقدم في مجالي تحليل البيانات وبحوث الموروثات، قد أفضى لتطور ما يعرف بطب «الدقة الإحكام - Precision Medicine» أو الطب التشخيصي، والذي يسعى إلى تفصيل وقاية ورعاية و تشخيص وعلاج شخصي، وفقًا للتركيبة الحيوية الفريدة لكل شخص.
ويستشهد سميث على فعالية ذلك المذهب الطبي الجديد بحالة «تيريزا ماك كوين»، التي لم يجدي العلاج الكيميائي في علاج سرطان الثدي الذي عانت منه، إلا أن التحليلات التي خضعت لها ضمن دراسة تعتمد على الطب التشخيصي، رجحت أن العلاج الأنسب لها هو فئة جديدة من العلاجات المناعية تعرف بـ «مثبطات التفتيش المناعية - Checkpoint inhibitors»، وقد حقق ذلك العلاج نجاحًا مبهرًا في حالة «كوين» على حد قوله.
ومثبطات التفتيش المناعية هي علاجات تمنع البروتينات المثبطة للجهاز المناعي التي تفرزها خلايا الورم من الارتباط بالخلايا المناعية وتعطيلها، وهي التقنية التي حصدت جائزة نوبل في الطب العام الماضي.
من ناحيته يعتقد «نبيل أحمد» وهو أستاذ مساعد في قسم الأورام بكلية بايلور الأمريكية للطب؛ «أن الدمج بين علاجات مثبطات التفتيش المناعية والعلاج بالخلايا المناعية سيكون أحد التوجهات الرئيسية لمواجهة السرطان في عام 2019»، بحسب تصريحاته لـساينتفيك عرب.
ويضيف أحمد أن العلاج بالخلايا المناعية، والذي يقوم على تعديل الخلايا المناعية في المعمل لزيادة قدرتها على استهداف الخلايا السرطانية يظهر نجاحًا ملحوظًا في علاج سرطانات الدم- اللوكيميا، إلا أنها أقل فاعلية في علاج الأورام الصلبة والتي يمكنها إنتاج بروتينات مثبطة للخلايا المناعية.
في إطار آخر سيشهد عام 2019 تجربة أولى لمحاولة اجتثاث مرض الملاريا الذي تسبب في وفاة ما يزيد عن 400 مليون شخص عام 2017، فمن بوركينا فاسو سيتم إطلاق قرابة 10 آلاف من ذكور البعوض من النوع المسبب للملاريا، والمعدل وراثيًا لتكون عقيمة، في تجربة أولية لدراسة إمكانية استخدام البعوض المعدل وراثيًا للإخلال باستقرارر عشيرته والقضاء عليها.
ويشغل مصير التعديل الوراثي للخط الجنسي البشري المجتمع العلمي، بعدما أعلن باحث صيني تعديله لأجنة بشرية أدت إلى ولادة أول طفلتين معدلتين وراثيًا، حيث يعد التعديل في الأجنة البشرية والخلايا الجنسية محرمًا في العديد من الدول.
3. من قلب المريخ إلى الجسميات الأولية
من التفاصيل المكونة للخلايا البشرية إلى عمق المريخ، ينتظر العلماء النتائج التي سيرسلها المسبار المريخي «إنسايت - Insight» الذي على حط على سطح الكوكب الأحمر بنجاح شهر نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، بهدف دراسة التكوين والنشاط الداخلي لقلب المريخ، وعلى الناحية الأخرى يقترب المسبار الشمسي «باركر» من الشمس، في مهمة تاريخية لدراسة الهالة الشمسية، حيث يتوقع أن يحقق أقرب اقتراب له من الشمس بنهاية هذا العام.
ويراهن تقرير موقع «Science news» أن عام 2019 سيشهد نجاح مشروع «تلسكوب أفق الحدث - Event Horizon Telescope» في التقاط أول صورة لثقب أسود، بعدما فشل في محاولته الأعوام الماضية.
من ناحيته يعول «شعبان خليل» مدير مركز الفيزياء الأساسية بجامعة زويل على تجارب المادة المظلمة أن تقدم نتائج إيجابية هذا العام، خاصة بعد إغلاق «مصادم الهدرونات الكبير - LHC» لإجراء عمليات تطوير، بينما ينتظر أن تحسم حكومة اليابان أمرها في تمويل مصادم جديد في شهر مارس القادم.
كما يحتفي خليل بحسب تصريحاته لـ ساينتفيك عرب بنشر كتابه عن «النموذج المعياري للجسيمات الأولية» هذا العام، ويتوقع أن دورية Letters in High Energy Physics والتي يرأسها خليل منذ إطلاقها العام الماضي، أن تشهد انتشار أوسع هذا العام، وتصبح من أهم الدوريات في تخصصها.
ويضم الفريق التحريري لدورية «Letters in High Energy Physics» قرابة 20 من رواد تخصص الطاقة العالية في الفيزياء من مؤسسات علمية دولية مختلفة، نشرت الدورية 3 أعداد العام الماضي، بينما يشير خليل أن الدورية بصدد نشر عدد خاص بنهاية الشهر الجاري.
4. ماذا عن كوكبنا؟
تتصدر أزمة الاحترار العالمي مجددًا أهم القضايا البيئية التي تشغل المجتمع العلمي، فقد أبرز تقرير أصدرته «اللجنة الدولية للتغيرات المناخية - IPCC» في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، أن 12 عامًا هي كل ما تبقى قبل أن يتخطى معدل درجة الحرارة 1.5 مئوية فوق معدلات الثورة الصناعية، ودعم تقرير آخر للمنظمة الدولية للأرصاد الجوية «WMO»، أن غازات الدفئية في ازدياد، وبذلك فإن الحدود التي أزمع الالتزام بها في اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، تبدو بعيدة المنال.
وفي سبيل تقديم حلول بديلة، سيعمل فريق من الباحثين على تبريد حرارة الكوكب صناعيًا من خلال تجربة هي الأولى من نوعها، حيث سيبث فريق من الباحثين من جامعة هارفرد كمية ضئيلة من كربونات الكالسيوم في طبقات الجو العليا، لدراسة إمكانية صدها لبعض أشعة الشمس، وعكسها مجددًا إلى الفضاء.
ومن أقطاب الأرض المتجمدة، تنطلق هذا العام عدة فرق بحثية لدراسة تأثير أزمة الاحتباس الحراري، حيث سينطلق فريق بحثي أمريكي وبريطاني مشترك إلى القارة القطبية الجنوبية لقياس مدى استقرار «مجلدة ثاويتس»، والتي أعد إحدى أكبر المجلدات في القارة القطبية الجنوبية، وأكثرها عرضة للانهيار، مما سيدفع لزيادة في معدل ارتفاع منسوب مياه البحر.
وحيث أن كل تلك الإنجازات العلمية التي تزيد من فهمنا للكون ولأنفسنا، لم تكن ممكنة لو قدرات أدمغتنا الإدراكية المذهلة، قد يشهد عام 2019 أيضًا تقديم تفسير لتكوين صغير يوجد في منتصف أدمغتنا يعرف بـ«الكولستريم - claustrum»، يرتبط الكولستروم بعدة مناطق دماغية تتعلق بوظائف هامة كالذاكرة والعواطف والحركة.
وفي حال تحفيزه بنبضات كهربية بدرجة معينة داخل أدمغة متطوعين، يؤدي ذلك إلى توقف عدد القدرات الإدراكية من الذاكرة إلى القدرات اللغوية، وهو ما يجعل الكولستروم موقع اهتمام بحثي، في سبيل فهم طبيعة الوعي البشري.