لا أملّ عن الكتابة عن برنامج نجوم العلوم في كل عام، وهذا العام بعد انتهاء الموسم العاشر منه، وانتهاء عقد كامل من الإبداع العربي أصبح لنجوم العلوم جيلٌ كاملٌ من المبدعين والمخترعين الذين لم يتوقفوا بعد انتهاء مشاركاتهم الخاصة، بل تابعوا مسيرة نجاحهم العلمي والإبداعي، وفي ريادة الأعمال وأسسوا شركاتهم الخاصة، وانتشرت منتجاتهم التي تطورت وأخذت أشكالاً جديدة وفعالية وفائدة أكبر مما كانت عليه من البرنامج.
تسع مشتركين كل عام على مدى عشر سنوات، أي أن نجوم العلوم قام بتخريج أكثر من تسعين مشترك عربي، أكثر من تسعين ابتكار جديد غير موجود من قبل في السوق، وهي أهم النقاط التي طالما ركزت عليها لجنة التحكيم، تسعين من العائلات المبدعة والتي تربي أولادها على العمل وبذل الجهد على الطريق العلمي الصحيح لتصل إلى هدفها الذي تسعى إليه.
لجنة التحكيم وسر الرفض المستمر فيها
مرّ على لجنة التحكيم في البرنامج عدة أسماء بارزة في العلم والاختراعات وأصحاب ابتكارات خاصة مثل الدكتور فاروق الباز، ولكن منذ بداية البرنامج تبنى الدكتور فؤاد مراد «مسؤول التكنولوجيات الرائدة في الأمم المتحدة- الإسكوا» المتقدمين للبرنامج وأخذ على عاتقه أن يرشدهم بالشكل السليم إلى النهائيات، يرافقه الدكتور خالد العالي «المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Senseta في وادي السيلكون»، والدكتور عبد الحميد الزهيري «رئيس الجامعة الأورومتوسطية في سلوفينيا، والرئيس المؤسس لمنتدى الابتكار الأورومتوسطي في العمل (فيميا)».
يؤخَذ على اللجنة كثرة رفضها للاختراعات وتقييمها السلبي، ويُشاع عنها عدم تشجيع المواهب العلمية وتعليمها كيف تجعل من فكرتها منتجاً حقيقياً، لكني كمتابعة مستمرة للبرنامج أعرف كيف يميز أعضاء اللجنة بين العلماء والمخترعين الحقيقيين وآخرين متطفلين على البرنامج.
انتشر في بداية الموسم العاشر من البرنامج أي منذ ما يقارب الشهرين فيديو لاختبارات التقدم للبرنامج مع اللجنة لفتاة سورية تقدمت باختراع لفصل النفايات عن بعضها في المدارس والمستشفيات، وكان الاستياء كبيرًا -خصوصًا على صفحات فيسبوك- بسبب تعامل اللجنة معها، والطريقة التي تم الاستهزاء بها ورفض اختراعها، وفي نهاية تجربة الأداء طلبوا منها الغناء والتي بدورها لم تكذب خبر بل قامت بالغناء.
وطبعاً صار الجميع علماء ومخترعين وباحثين ويعرفون أكثر من اللجنة ورؤوا أن الفتاة قدمت فكرة عبقرية ولأسباب رآها الكثير (عنصرية) ثم رفض طلبها، سأتجاهل مشاهد وراء الكواليس قبل تجارب الأداء حيث تتنقل الفتاة بين المشتركين وتخبرهم عن صوتها الجميل وتصر على الغناء لهم، ربما نسيت أنها قادمة إلى برنامج علمي، وأتجاهل أن اللجنة سألتها الكثير من الأسئلة التي كانت من صلب اختراعها وفشلت في الإجابة عنها في حين أنها كان من المفترض ان تكون قد حضرت كل ما يُتوقع منها أن تعرفه عن فكرتها قبل الدخول.
ردود الفعل على المقطع إضافة للفتاة نفسها تعطي فكرة واضحة عن مدى الاهتمام بالعلم ومدى وضعه في مكانته العالية في العالم العربي، العلم يعني التزام عالي وجدية كبيرة في التعامل مع الفكرة، وليس انتظار الآخر ليُقدم لنا ما علينا فعله وكأن اصطياد فكرة من الهواء والتي تخطر لنا في لحظات الشرود والتفكير تكفي لننام وضميرنا مرتاح أو لنُسمّى مخترعين وعلماء.
طبعاً تلك الصفحات لم تذكر خبراً عن فوز السورية نور مجبور بالمركز الثاني هذا العام عن اختراعها (مجموعة بحثية مخبرية للكشف عن مرض باركنسون) بعد الفلسطيني لؤي البنا عن اختراعه (نظارات لتحليل شبكية العين للكشف عن حالة الاوعية الدموية والتنبؤ المبكر بالجلطات الدماغية).
من يريد أن يعرف عن العلم والالتزام به، وبعيداً عن أمجاد الماضي التي يرفضون أن نظل نتغنّى بها، ودون أن ننظر إلى أعدائنا المغرضين والذين يهدفون لسرقة العقول العربية العبقرية، لماذا لا نرى كيف أصبح خريجو نجوم العلوم على مدى عقد من الزمن وأين أصبحوا؟... ربما هذه التجارب ستعلمنا كيف يكون الالتزام الحقيقي بالعلم والعمل لأجله وتكريس الحياة له.
1. أنور المجركش
شارك أنور المجركش في الموسم الخامس من برنامج نجوم العلوم، حيث قدم وسادته الذكية لمن يعانون من مشاكل في السمع. وجد المهندس العبقري وسيلة ذكية للاستفادة من تقنية التعرف على الصوت، وعمل ليلاً ونهاراً ليعلّم وسادته كيفية التقاط الأصوات الطارئة، مثل الانذار ضد الحرائق وأجهزة الإنذار المنزلية وجرس الباب وغيرها من الأصوات. وكانت النتيجة ابتكار وسادة تقدم أكثر من مجرد الراحة لمستخدميها بعد يوم عمل شاق، فتُعتبر وسادة أنور الأكثر تقدمًا من نوعها، وذلك لقدرتها على تنبيه ضعاف السمع حول الأحداث والأصوات المختلفة من حولهم.
أنور يملك شركة (براسي) حالياً وهي تتخصص في توفير حلول تكنولوجية لضعاف السمع، وقد اختيرت الشركة كواحدة من أفضل 50 شركة الأكثر إبداعًا في إنجلترا وفقًا لبحث «كريتيف إنجلاند 50»، ويكرم مؤشرالبحث شركات القطاعات المختلفة التي حققت نجاحًا تجاريًا بفضل فكرة لامعة.
وباستخدام هاتف جوال، تقوم «براسي» بتحليل الأصوات في محيط المستخدم، وتُعلمه بالحدث الذي قد يتطلب انتباهه. وبعد أن ضمن أنور استثماراً يقارب مليون دولار من المملكة المتحدة والدنمارك، يمارس الآن عمله في كلا البلدين. وبعد أن تم اختبار خوارزمية «براسي» والموافقة عليها، بدأت تقدم منتجاتها داخل السوق البريطانية وفي السوق الدولية، حيث بدأت تبيع منتجاتها للمجالس البلدية في المدن، والمؤسسات التعليمية، والعيادات المختصة بتقديم خدمات متعلقة بالسمع.
وقد حصدت تقنية التقاط الأصوات التي طورها رائد الأعمال الطموح مجموعة من الجوائز ضمن المسابقات الخاصة بالشركات الناشئة، بما في ذلك فنلندا وجمهورية التشيك. كما حصلت شركته على الدعم والحضانة من قبل برنامج يختص بحضانة وتسريع المشاريع بالدنمارك، ومن برنامج «روبيكسلاب» في مدينة براتيسلافا السلوفاكية.
2. بسام الجلغا
بالنسبة للكثيرين قد يبدو اختراع بسام أمر غير جديربأن يكون الفائز الأول في موسم نجوم العلوم الأول، وذلك بسبب كون اختراعه يتمحور في مجال الموسيقا، ولكن احتاج إلى سنوات بعد البرنامج كي يطور ويخرج بمنتج مميز يسعى أكبر الموسيقيين للحصول عليه من أجل عملية دوزان آلاتهم الوترية
ولم يهدر بسام وقته أبدًا بعد البرنامج، حيث حصل على براءة اختراع أمريكية، ونقل منتجه إلى السوق تحت اسم «رودي تيونر- Roadie Tuner»، وهو الآن على وشك إطلاق الجيل الثاني من اختراعه بعد جولتين من التمويل الجماعي. وفي 2014، فاز بسام بجائزة خيار الجمهور في مؤتمر «تك كرانش - Techcrunch» وبجائزة التصميم في لندن لمنتجه رودي تيونر.
3. خالد بو جسوم
اختراع خالد يهم أي شخص اضطر للسفر للعيش وحده، وعانى من مشكلة طهي الطعام أو الطعام الصحي كما عانى منها خالد حين سافر للدراسة ولم يجد من يعد له الطعام الصحي الذي اعتاد عليه، ولم يملك الوقت الكافي لهذا، فما كان منه إلا أن حمل فكرة (طاهي) إلى نجوم العلوم لتكون ولادته الأولى.
وتمت إعادة إطلاق علامة «طاهي» اليوم باسم «أوليفر»، وهو عبارة عن جهاز طهي ذكي وآلي بالكامل يتوافق مع تطبيق خاص على الهاتف المتحرك، ويحتوي على وصفات مبرمجة مسبقًا ابتكرها طهاة محترفون. وسواء كنت رياضيًا أو طالبًا جامعيًا أو تدير منزلًا، أو دائم الانشغال، فإن آلة الطهي هذه ستصبح رفيقك المثالي.
قد نال خالد الكثير من التقدير لقاء عمله، حيث تم تكريم «أوليفر» كأحد أفضل 15 شركة ناشئة في مجال المطابخ ضمن مؤتمر المطابخ الذكية في سياتل- الولايات المتحدة، وظهر «أوليفر» في العديد من المجلات المرموقة والمنصات الإعلامية الرقمية مثل «بيزنس إنسايدر»، و«CNET»، و«ذي سبون»، و«تيك كرانش»، و«فاست كو ديزاين».
5. زياد سنكري
للأزمات القلبية مقدمات قد لا ينتبه لها المريض، لكن الطبيب يعرف كيف يُشخّص تلك الإشارات، ويعرف متى يكون عليه التدخل، ومن هنا كانت انطلاقة زياد لاختراع جهاز مرتبط بالهاتف الجوال ليقوم بتتبع مرضى القلب خلال حياتهم اليومية، ويرصد جميع البيانات، ويقوم بإرسالها إلى الطبيب المختص، وعليه كان المركز الثاني في الموسم الثالث من البرنامج من نصيب زياد.
استطاع زياد جمع نصف مليون دولار لصالح مشروعه «LifeSense»، بعد عرض جهازه وشرح فكرته لطبيب أمراض قلب. وقد مكنته هذه المساهمة من البدء في تصنيع جهازه في الولايات المتحدة، وإيصاله إلى الأسواق، وكان مفتاح هذا التطور السريع للمشروع عبارة عن شراكة استراتيجية مع شركات أخرى، وفرت معداتها وأجهزتها لدمجها مع تقنية زياد الرائدة.
وساهمت تقنية زياد في إنقاذ حياة عدد من المرضى، وتشخيص مئات آخرين. وقد برزت جهود زياد في تحسين عملية التشخيص عن طريق توفير جهازه في جميع أنحاء الولايات المتحدة
6. محمد دومير
كان للاهتمام بالحيوانات وصحتها مكان هام في البرنامج، فالفائز في الموسم الرابع من البرنامج في المركز الأول كان الطبيب البيطري محمد دومير من الجزائر، والذي كان مهتماً بالإصابات المتعلقة بالهجن والجمال، وكان يلاحظ مدى صعوبة تشخيص الإصابات عندها لذلك ابتكر جهازه «فيتوسس» الذي يساعد في تحديد مكان الإصابة بالضبط قبل تفاقمها.
بعد حصوله على عدة عروض من مستثمرين مهتمين بتمويل مشروعه، قرّر محمد البقاء في دولة قطر لإطلاق مشروعه «أحذية تشخيصية للهجن» بدعم من واحة العلوم والتكنولوجيا في قطر التي وفرت كل متطلبات التطوير والاستثمار في مشروعه، فأصبح لدى دكتور دومير شركته الخاصة المسماة «فيتوسيس» وهي اليوم تعمل بسواعد وعقول عربية. وقد حصل على براءة اختراع في الجزائر وفي دول مجلس التعاون الخليجي، وأخيرا في الولايات المتحدة الأمريكية.
وعن نجوم العلوم يقول دومير للمبتكرين الجدد:
نجوم العلوم هي منصة للعلوم. اذا فكرت فكِر علميًا واذا حاورت حاور علميًا، واذا نفذت نفِذ علمًا.