الصراصير

هل تستحق الصراصير أن تسحقها بنعلك؟

لعلك تساءلت يومًا، قبل الهرولة إلى أي حذاء لسحق صرصورٍ ما: هل لهذه الزاحفات المخيفة أي فائدة؟ أو حتى على الأقل، هل هناك سببًا واحدًا قد يمنعنا من القضاء عليها إلى الأبد؟

في الواقع، إن سمعة الصراصير السيئة تصدر من تلك التي تقطن البيوت والتي لا تتجاوز نسبتها 1% ضمن 4,600 سلالة معروفة، وأشهرها الصرصور الأمريكي -وهو لم ينشأ في الأصل بأمريكا بل انتقل هناك من إفريقيا– وهو كبير الحجم ذو لون بني أحمر وأجنحته تغطي جسده لكنه لا يطير بالضرورة. أما الآخر، وهو الصرصور الألماني، صغير الحجم ولونه بني فاتح.

تتطفل هذه الحشرات في منازل البشر بحثًا عن طعام ولكنها قد تُسبب الحساسية، بل وتنقل في طريقها مجموعة من البكتيريا المسببة للنزلات المعوية. وعلى الرغم من هذا، لم يمتنع العلماء عن دراسة مختلف أنواعها واستكشاف فوائدها المحتملة.

عمال البرية

الصراصير

تتغذى الصراصير على شتى أنواع بقايا الطعام من الجبن والحبوب والمخبوزات حتي اللحوم والسكريات، بل إنها تأكل الورق المُقوى وألواح السقف. لذا، لا عجب أنها تتسلل في الظلام إلى المطبخ كي تملأ معداتها. لكن هذه الشهية المُفرطة تُمثل نعمةً في البرية، إنها تقوم بجمع الفضلات والبقايا الميتة من الحيوانات والنباتات وتسحبها إلى أنفاق تحت سطح التربة، وبعد أن تلتهمها تفرز كرات من البراز تعمل كسماد عضوي، يبلغ محتواه من النيتروجين عشرة أضعاف ما تأكله.

لذا، يُسمي العلماء تلك الحشرات بـ" جامعات القمامة". وبفضل هذه العملية، تحدث صيانة مستمرة للنظام البيئي في مختلف أنواع الغابات الجافة والمطيرة وحتي في الصحاري القاحلة.

إلى جانب ذلك، اكتشف باحثون من جامعة كوماموتو باليابان أن الصراصير تقوم بنثر البذور لنوعٍ من أعشاب الغابات بطريقةٍ كتلك التي تفرز بها السماد وبالتالي تساعدها على الازدهار. بل إن هذه النباتات تخصصت على نحوٍ يجعل انتشارها أسهل بواسطة الصراصير.

فعلى سبيل المثال، يتزامن وقت نضوج الثمار مع وقت فقس صرصور الغابة كما تتميز البذور بقشرة صلبة تجعلها تعبر معدات الصراصير دون أن تتأذى.ويقترح أستاذ سوجيورا القائم على الدراسة أن هناك تفاعلات أخرى بين النباتات والصراصير لم يتم اكتشافها على الأرجح، وأن الفائدة لا تقتصر على نوعٍ واحدٍ فقط من النباتات.

كذلك تُمثل الصراصير مصدرًا لغذاء كثير من أنواع الضفادع والطيور والفئران والزواحف مثل السحالي والحرباء، التي لابد وأنها ستعاني إن اختفت الصراصير، وإن قل عددها ستتأثر بقية أفراد السلسلة الغذائية. حتى أنه بعض أنواع الجراد تضع بيوضها داخل الصراصير البالغة حتى تفقس، ولا شك أن تلك أيضًا لها دورها في الطبيعة.

أبطال دون قصد

الصراصير

لدى الصراصير قدرة مذهلة على التجول في التضاريس الوعرة.. لذا، استغل الباحثون في جامعة ولاية كارولاينا الشمالية هذه الخاصية لصنع صراصير آلية يمكنها أن تحدد أماكن الناجيين من الكوارث تحت الأنقاض. فهي عبارة عن صراصير مُحمّلة على ظهرها بالعديد من الحسّاسات الإلكترونية لإلتقاط موجات الراديو، والصوت، والحرارة وأحيانا للكشف عن تسريبات الغاز، بهدف أن تساعدها في التواصل مع بعضها واستكشاف الأماكن التي لا تستطيع فرق الإنقاذ أن تصل إليها.

وكما يمكن للصراصير إنقاذ البشر يمكن لها المساعدة في الحفاظ على بعض سلالات الطيور من الانقراض. ففي أمريكا الشمالية، حيث يعاني نقار الخشب ذو الشريطة الحمراء خطر الانقراض، قام العلماء بتصنيع مادة تُحاكي هرمون تفرزه إناث الصراصير كي تجذب الذكور للتزاوج. عندما يتم إطلاق هذا الهرمون في مكان ما، تتجمع الصراصير -التي تمثل وجبة أساسية بالنسبة لنقار الخشب- في ذلك المكان وبالتالي تدل العلماء على ما إن كان ذلك مسكنًا مناسبًا يتوافر فيه الطعام بالنسبة لنقار الخشب أم لا، بالطبع مع أخذ عوامل البقاء الأخرى في الاعتبار.

اقرأ أيضاً:  زعانف السمك مصدر إلهام في تصنيع الروبوتات وأجنحة الطائرات

علاج سحري

إن كنت شاهدت فيلم "فول الصين العظيم"، ستعلم أن بعض الصينيين يأكلون الصراصير كجزء من وجباتهم اليومية. لكن مزايا الصراصير لا تقتصر فقط على كونها غذاءًا للبشر، بل اعتقد الصينيون في قدرتها على علاج الكثير من الأمراض واستخدمها في الطب الصيني التقليدي لعدة قرون لمعالجة الجروح. وحتى الآن، تستمر مزارع الصراصير بإمداد شركات في الصين واليابان وكوريا الجنوبية بالصراصير لصناعة بعض الأدوية ومستحضرات التجميل.

لكن في عام 2010، اكتشف عالم الميكروبات في جامعة نوتينجهام ببريطانيا وجود مركبات مضادة للبكتيريا داخل أدمغة الصراصير، تمكنها من مقاومة العدوى في أكثر الأماكن قذارة. وفي شهر فبراير من هذا العام، تم نشر بحث جديد عن قدرة البكتيريا المعوية داخل الصراصير على إفراز جزيئات قاتلة للأميبا وأنواع خطيرة من البكتيريا أشهرها الMRSA .

"وفي ظل ازدياد مقاومة الميكروبات الحالية للمضادات الحيوية، قد يمثل البحث عن مصدر جديد للمضادات الحيوية -كالصرصور- حلاً حيويًا لمقاومة العديد من الأمراض الخطيرة."

اقرأ أيضًا "حليب الصراصير ذو الطعم الخطير؛ هل تغزو صراصير المحيط الهادئ الأسواق بحليبها؟"

مقبلات شهية

جميعنا يعلم أن فكرة تناول الصراصير لا تثير شيئًا في أنفسنا سوى الاشمئزاز، لكن بعد حوالي 30 عامًا من الآن قد يختلف الأمر؛

بحلول عام 2050، سيزداد عدد سكان العالم ليصبح 9.7 مليار شخصًا! ولإطعام هذه الأفواه سنحتاج إلى ما يزيد عن ضعف الإنتاج الحالي من اللحوم، طبقًا لمنظمة الغذاء العالمية. ومع النقص المستمر للمساحة والموارد لا يبدو الأمر سهلًا. حتى لو قررت أن تصبح نباتيًا؛ أساليب الزراعة الحالية لن تضمن توفير الحجم المطلوب من المحاصيل، عوضًا عن الأضرار البيئية التي تنتج من كلاهما.

أمام هذه المشاكل، يبدو أن الصراصير تملك الحل. فهي متواجدة بوفرة وتربيتها لا تحتاج لمساحة كبيرة أو موارد مائية وكهربائية ضخمة، ويمكنها أن تتغذى على قشور الخضروات والفاكهة بدلًا من رميها بالقمامة. كما أن مزارعها صديقة البيئة؛ فنسبة الغازات الدفيئة (غازات الاحتباس الحراري) التي تنتجها أقل بكثير مقارنةً بالثروة الحيوانية. إضافةً إلى أنها ستقلل من تلوث المياه بالكيماويات، فهي لا تستهلك مبيدات حشرية كالمحاصيل الزراعية أو مضادات حيوية كالدواجن، لكن لماذا نأكلها في الأساس؟!

كما تُعد هذه الحشرات بديلًا ممتازً للبروتين الغني بالأحماض الأمينية الأساسية والدهون المشبعة والغير مشبعة مع مزيج من الفيتامينات والمعادن كالحديد والزنك والسلينيوم. أضف إلى ذلك، ألياف الكايتين -الهيكل الخارجي للحشرة- والذي يجعلها غذاءً مثاليًا للرياضيين، وهؤلاء ممن يريدون الحفاظ على وزنهم.

ليس هذا فحسب، بل قد يكون مذاقها شهيًا أيضًا!..  إنها تمامًا كاللحوم، يجب غسلها وتنظيفها جيدًا، ثم طهيها على النار لقتل أي ميكروبات. ويمكنك أن تأكلها مسلوقة، مشوية، أو مقلية -كما يفعل المعظم- ويمكنك بالتأكيد أن تضيف ما تشتهي من التوابل والصلصات لتجعلها مقرمشة ولذيذة. لدى الصراصير الكبيرة مذاق الدجاج لكن معظمها تشبه المكسرات أو الفشار في مذاقها، وغالبًا ما تأخذ نكهة ما تُطهى به، كما يصفها مستهلكي الحشرات حول العالم.

لذلك لا تستغرب كثيرًا، عندما تشاهد إعلانات رقائق بطاطس بنكهة الصراصير! هناك بالفعل العديد من الشركات حول العالم التي تقوم بتصنيع منتجات مختلفة من دقيق الصراصير.

نهايةً، الأمر فقط يحتاج إلى التغلب على حاجز "التقزز" مع بعض الوقت، فبعض المأكولات البحرية باهظة الثمن مثل الجمبري والكركند لا يختلف مظهرها كثيرًا عن تلك الحشرات على أية حال.

2 comments
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
حوار مع شروق الأشقر حور احدث اكتشافاتها قطرانيميزسفروتس
طالع المزيد

قصة الجد "سفروت".. أحد الأجداد القدامي لفئران إفريقيا وأمريكا الجنوبية

"قطرانيميز سفروتس" أحدث اكتشافات باحثة الحفريات المصرية شروق الأشقر، وهو جد الفئران التي تعيش الآن في أفريقيا وأمريكا الجنوبية.
Total
0
Share