جالس مع أسرتك تأكل قطعة شوكولاتة من النوع الفاخر الذي لا يحصل عليها المرء كل يوم، وسقطت منك قطعة منها على الأرض فماذا ستفعل؟
- أنهض سريعًا لالتقاطها وتناولها
- أرميها مباشرةً
- أدرس المخاطر ومن ثم أقرر
الأمراض المنقولة عبر الغذاء
هي الأمراض الناتجة عن تناول طعام ملوث، وعندما يأكل الإنسان هذا الطعام فإنه يُصاب بالعديد من الأمراض مثل تسمم الغذاء، أنواع عديدة من البكتريا والفيروسات والديدان تستطيع أن تتسبب بذلك.
في الأغلب فإنك ستلتقطها بأسرع ما يمكن وتتناولها، وللعلم لست وحدك من يقوم بهذا؛ نفعل ذلك دون التفكير بأمر هذه الميكروبات الخطيرة أو لنقل نتصور أننا انتصرنا عليها معتمدين على عنصر السرعة. حسنًا يبدو أننا اتفقنا على التسليم بـ "قاعدة الـ 5 ثواني" دون أن نتفق، بل حتى دون أن نعرفها. فما هي قاعدة الـ5 ثواني؟
وفقًا للقاعدة، عند سقوط الطعام على سطح ما، فإنك لو التقطته سريعًا قبل مرور 5 ثواني، فلن تجد الميكروبات على الأسطح الوقت الكافي للانتقال إلى هذا الطعام، ما يبقيه آمنا وصالحًا للأكل.
في المطاعم ومجال الصناعات الغذائية، هناك قاعدة تُلزم العاملين بالتخلص من أي طعام يسقط على سطح غير مُعقم بغض النظر عن زمن بقاؤه على هذا السطح، لكن هذا لا يحدث في حياتنا الواقعية، ليس فقط على مستوى الأفراد لكوننا لا نبالي وربما لا نعي خطورة الميكروبات ومدى احتمالية التقاطها، بل حتى العديد من العلماء يفترضون أنه من المفيد أن نسمح للأطفال بتطبيق هذه القاعدة، للتعزيز من قوة جهازهم المناعي (بالطبع إن نجوا من هذه الميكروبات)
تاريخ قاعدة الـ5 ثواني
أحدثت هذه القاعدة جدلًا علميًا كبيرًا فهناك من يؤيدها وهناك من يقول أنها مجرد خرافة، لذا دعنا نبدأ في سرد القصة من البداية.
بدأ الأمر في القرن الرابع عشر الميلادي، ذلك أن جنكيز خان حاكم المغول اعتاد إقامة ولائم من أجل قادة جيوشه، وكان كلما أوقع أحدهم طعامًا على الأرض يقول "إن هذا الأكل صالح حتى أقرر أنا"، ذلك لأن هذا الأكل مُعد بطريقة مميزة خصيصًا من أجله، وأُطلق على هذا الأمر اسم "قاعدة خان"
في هذا الوقت لم يكن الناس يعرفون ما هي الميكروبات وما علاقتها بالأمراض التي تصيب الإنسان، وإحقاقًا للحق فإننا لم نعرف هذا الأمر إلا حينما وصلنا للقرن التاسع عشر، حين ظهرت "نظرية الجرثومة" حيث وجد العلماء أن هناك ميكروبات صغيرة جدًا وغير مرئية تسبب أمراض والتهابات معينة.
في القرن الماضي كان تأثير التلفاز قويًا جدًا على العامة، ففي إحدى حلقات برنامج الطبخ "الطباخ الفرنسي" الذي كانت تقدمه الطباخة الشهيرة جوليا شيلد؛ سقطت قطعة طعام على الأرض فأخذته ووضعته في الطعام وقالت "يمكنك دومًا أن تفعل ذلك عندما تكون بمفردك في المطبخ، من سيراك؟" انتشر هذا الأمر بين الناس، وتناولت العديد من البرامج التلفزيونية والصحف إمكانية تطبيق القاعدة بين مؤيد ومعارض، لكن لم تكن هناك دراسة علمية حقيقية حول هذا الأمر.
هل قاعدة الـ 5 ثواني حقيقية أم مجرد خرافة؟
عام 2003 أعلنت جامعة إلينوي عن دراسة بخصوص هذه القاعدة، حيث قام الباحثون بوضع حلوى وبسكويت على سطح من السيراميك يحتوي على بكتيريا (E.Coli)، ومن ثم قاموا بتحليل هذه الحلوى والنتيجة؟ وجدوا أن هذه البكتيريا انتقلت من السطح إلى الحلوى خلال 5 ثواني، ولكنهم لم يعلنوا نسبة أو عدد البكتيريا المنتقلة.
وقاموا كذلك بعمل دراسة بين طلاب الجامعة حول هذه القاعدة، فوجدوا أن هناك عدة عوامل تؤثر على
قاعدة الـ 5 ثواني منها (جنس الشخص ذكر أم أنثى - نوع الطعام - السطح الذي وقع عليه الطعام) وكانت نتائج هذه الدراسة كالآتي:
- 70 % من الإناث و 56 % من الذكور يطبقون هذه القاعدة
- النساء أكثر ربما بسبب أنهم أقل هدرًا للأشياء من الذكور
- كان التقاط الحلوى أكثر من التقاط القرنبيط والبروكلي من على الأرض
واستمرت جهود العلماء في فهم هذه القاعدة، حتى وصلنا إلى عام 2007، حيث نشر "بول داوسون" من جامعة كليمسون دراسة عن العلاقة بين الوقت الذي يقضيه الطعام على السطح الملوث وانتقال البكتيريا إليه. في هذه الدراسة جهزوا أسطح مُختلفة من السيراميك والسجاد والخشب، وزرعوا عليها بكتيريا السالمونيلا ثم وضعوا الطعام على هذه الأسطح، ثم فحصوا الطعام بعد ذلك.
والنتيجة؟ وجدوا أن هناك بكتيريا تنتقل إلى الطعام بمجرد ملامسته للسطح، وأن العوامل التي تؤثر على هذا هي نوع السطح ونوع البكتيريا الموجودة عليه، فبكتيريا مثل السالمونيلا التي تظل على السطح الملوث لمدة شهر مع عدم وجود مؤشر مرئي على ذلك.
وفي نفس السنة، ظهر تقرير من كلية كونيتيكت حول هذا الأمر، واستنتجوا أن هناك علاقة بين الوقت الذي يقضيه الطعام على السطح وبين كمية البكتيريا المُنتقلة إليه، فعدد البكتيريا المُنتقل في 5 ثواني لا يُساوي العدد المُنتقل في 30 ثانية، فكلما زاد زمن الالتصاق زادت أعداد البكتيريا المُنتقلة.
وفي عام 2016، ظهرت دراسة جديدة عن قاعدة الـ 5 ثواني ونُشرت في مجلة Applied And Environmental Microbiology، حيث قال "دونالد شافنر" مؤلف هذه الدراسة "قررنا دراسة هذا الموضوع لانتشاره، قد يبدو الأمر بسيطًا لكننا بحاجة إلى دليل علمي قوي"
قام شافنر وتلميذته "روبين ميراندا" بفحص انتقال البكتيريا إلى الطعام، فقاموا ب
- إحضار أسطح مختلفة: الاستانليس ستيل، السيراميك، الخشب، السجاد
- وضعوا على هذه الأسطح بكتيريا الهوائيات المعوية القريبة للسالمونيلا، وهي غير مُسببة للأمراض، وتوجد بصورة طبيعية في جهازنا الهضمي
- إحضار أطعمة مختلفة: شرائح بطيخ، خبز، خبز بالزبدة، حلوى جيلاتينية
- وضعوا هذه الأطعمة على الأسطح المُختلفة، بحيث أن كل نوع من الطعام يوضع على كل سطح، وتركوها لفترات زمنية مُختلفة فمثلًا: البعض تركوه لأقل من ثانية، والبعض ل 5 ثواني، والبعض ل 30 ثانية، والبعض تركوه حتى 300 ثانية، ثم فحصوا الطعام بعدها.
استنتجوا من هذه الدراسة أن هناك عدة عوامل تؤثر على انتقال البكتيريا من السطح إلى الطعام:
- الرطوبة: حيث التقطت شرائح البطيخ البكتيريا بمجرد ملامستها للسطح، في حين أن الأكل الصلب كالحلوى كانت آخر طعام ينتقل إليه البكتيريا. فكلما زادت رطوبة الطعام كلما التقط البكتيريا بسرعة أكبر.
- نوع السطح: حيث كان الاستانليس ستيل والسيراميك الأسرع في نقل البكتيريا، في حين أن السجاد كان الأبطأ، لأن ألياف السجاد مررت عدد قليل من البكتيريا، أما بالنسبة للخشب فكان معدل انتقال البكتريا متغير وغير ثابت.
- موقع السطح: كان السجاد هو السطح الأكثر أمانًا، لكن موقع السجاد نفسه يؤثر، فالسجاد في المطبخ أأمن بكثير من السجاد في المرحاض. وهكذا في جميع الأسطح المختلفة.
- زمن التصاق الطعام بالسطح: فكلما زاد زمن الالتصاق، زادت أعداد البكتيريا المُنتقلة إلى الطعام.
لذا فالأفضل ألا تأكل الطعام الذي سقط على الأرض حتى ولو لوقت أقل من 5 ثواني، فهناك بكتيريا تنتقل للطعام بمجرد ملامسته للأرض، لأن عامل الوقت ليس هو العامل الوحيد المؤثر في هذه العملية.
وعلى حسب كلام "بول داوسون"، فإن تناول الحلوى التي تسقط على الأرض وتحتوي قليل من الغبار والبكتيريا لن يضر إن كان الجهاز المناعي سليم، ففي 90 % من الوقت ربما يكون هذا الفعل آمن بالنسبة لصحة الإنسان، ومع ذلك، فإن الاهتمام بتنظيف وتعقيم الأسطح باستمرار، من أهم الأشياء التي يجب تعلمها وعملها للحفاظ على صحة الإنسان.
قد يكون تناول الطعام بعد سقوطه آمنًا في الكثير من الأحيان، ولكن هذا لا يعني أنه كذلك دومًا، فقد يتسبب تناول قطعة حلوى صغيرة من على الأرض في مشكلة كبيرة لاحقًا، فأحرص على تنظيف الأسطح باستمرار وتجنب تناول الطعام من على الأسطح المكشوفة قدر الإمكان.
اقرأ أيضاً هل شلل الرعاش يؤدي إلى الوفاة؟
