لصحتك العقلية إنجز أعمالك المنزلية

لصحتك العقلية أنجز مهامك المنزلية

من الآن وصاعدًا؛ ستهم لمساعدة أبويك في أعمال المنزل برحابة صدر.

هل انتابتك يومًا رغبة ملحة جعلتك تعيد ترتيب خزانة ملابسك بأكملها من جديد لتجد نفسك بعدها في حالة من السعادة والرضا؟ لعلك تساءلت في قرارة نفسك: هل أصبحت أشبه جدتي التي تهتم كثيرًا بترتيب كل شيء؟ كيف لذلك العمل البسيط أن يغمرني بذلك الشعور البالغ، وخاصةً أنني شخص لا يكترث عادةً بترتيب الأشياء من حولي؟

كيف تؤثر الفوضى علينا؟

تربى جميعنا في الصغر على أهمية الحفاظ على نظافة المنزل والمشاركة في المهام المنزلية، سواء للوقاية من الأمراض التي قد تتسبب فيها الجراثيم المحيطة، أو للحفاظ على ترتيب المنزل، أو لمجرد المشاركة الأسرية. لكن، الأمر أعمق من ذلك، فالقيام بالمهام المنزلية مثل تنظيف المنزل له تأثير مباشر على الصحة العقلية.

قد تساهم الفوضى في الاكتئاب والتشتت

نشرت مجلة "الشخصية وعلم النفس الاجتماعي" دراسة أشارت إلى أن السيدات اللواتي وصفن منازلهن بأنها مزدحمة أو مليئة بالفوضى أو الأعمال غير المكتملة كن أكثر عرضة للإرهاق والاكتئاب مقارنةً بالسيدات اللواتي وصفن منازلهن بأنها مرتبة ونظيفة، كما لاحظ الباحثون ارتفاعًا ملحوظًا في مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر) لدى السيدات اللواتي وصفن منازلهن بالفوضوية.

وفي الوقت نفسه، كشفت دراسة أجراها الباحثون في جامعة "برينستون" بولاية "نيو جيرسي" الأمريكية عن أن الفوضى تقلل التركيز على إنجاز المهام، حيث أن التواجد في بيئة من الفوضى يغمر القشرة المخية بمحفزات مرئية بالغة، تشتت تركيز الشخص عن المهمة التي يؤديها، ما يجعل من الصعب التركيز على إنجاز تلك المهمة. 

لا يقتصر تأثير الفوضى على ذلك فحسب، بل إنها ترتبط في أغلب الأحيان بالمشاعر السلبية والقلق، حيث تراها أدمغتنا كمهام غير مكتملة، فترسل إشارات غير مباشرة إلينا بضرورة تنظيف المنزل وترتيبه لإكمال تلك المهام. تمثل تلك الإشارات مصدر بالغ للإرهاق للكثير من الناس، خاصة أولئك الذين يعانون ضغوطات كبيرة في حياتهم، حيث تخلق الفوضى لديهم المزيد من التوتر والقلق، في حين قد يساعد ترتيب المنزل والسيطرة على الفوضى المحيطة في خلق بيئة مريحة تساعدهم على التركيز بشكل أفضل على القضايا الأكثر أهمية في حياتهم.

تأثير القيام بالمهام المنزلية على الصحة العقلية

إن القيام بالمهام المنزلية بشكل روتيني له العديد من الآثار الإيجابية على الصحة العقلية، فهناك العديد من الأسباب التي تجعل أداء المهام المنزلية يساعد على التخلص من مشاعر القلق والتوتر ويعزز الصحة العقلية، أبرزها:

الأعمال المنزلية والصحة العقلية

السيطرة على البيئة المحيطة

عندما يشعر الناس أن حياتهم خارجة عن السيطرة أو أنهم يعانون العديد من المشكلات التي تؤرقهم، فإنهم يبحثون عما يمنحهم الشعور بالسيطرة من جديد، ولو على جزء بسيط من حياتهم. وهنا يأتي دور المهام المنزلية البسيطة التي تمنحهم ذلك الشعور بالتحكم في بيئتهم وحياتهم.

وفي ذلك الإطار، أشارت دراسة حديثة أجراها الباحثون في جامعة "كونيتيكت" أنه في الأوقات التي يعاني فيها الأشخاص ضغوطات بالغة في حياتهم، فإنهم يلجأون إلى دمج بعض السلوكيات الروتينية المتكررة، مثل تنظيف المنزل في نظامهم اليومي، كوسيلة دفاعية تمنحهم شعورًا بالسيطرة على الموقف في أثناء تلك الفوضى. 

لذا، فإن كنت تشعر بالرغبة في التنظيف والتخلص من الفوضى التي تحيط بك عندما تكون في حالة توتر، فهي على الأرجح وسيلة يعلن بها عقلك حاجته إلى الشعور بقدرتك على التحكم في نظام بيئتك، وإضفاء بعض النظام إليها، ليقلل من حدة توترك.

تحسين الحالة المزاجية

في عام 2015، نشرت مجلة "Mindfulness"، دراسة فريدة من نوعها، أجراها الباحثون في جامعة "فلوريدا" الأمريكية. ففي محاولة لدراسة التأثير المباشر لغسل الصحون على الحالة النفسية، جمع الباحثون 51 مشاركًا من الطلبة الجامعيين وقسموهم إلى مجموعتين، بحيث أعطيت المجموعة الأولى إرشادات خاصة بشأن ترتيب غسل الصحون واستخدام المياه بدرجة الحرارة المناسبة وضرورة استخدام المناشف لتجفيف الأطباق بعد غسلها، في حين طُلب من المجموعة الأخرى التركيز على الشعور بالذات في أثناء تأدية تلك المهمة، وعدم تعمد إنجازها في وقت قصير لمجرد التخلص من العبء.

وبعد مقارنة نتائج المجموعتين، لاحظ الباحثون أن المشاركين من المجموعة الثانية أظهروا تحسن بالغ في حالتهم المزاجية بعد تأدية تلك المهمة، كما أشاروا إلى حدوث انخفاض بنسب التوتر تصل إلى %27 مقارنة بنتائج المجموعة الأولى. أشار الباحثون إلى أن الأشخاص الذين كانوا في حالة من الوعي الذاتي والذين أخذوا الوقت الكافي لشم رائحة الصابون و الاستمتاع بدفء المياه كانت تجربتهم أشبه بأحد تدريبات التأمل.

اقرأ أيضاً:  حبوب منع الحمل للرجال| فاعلية بنسبة ٩٩ ٪ 

كيف تدمج المهام المنزلية ضمن نظامك اليومي؟

سواء كنت طالبًا أو موظفًا في إحدى الشركات أو كنتِ أمًا لطفل صغير، فالنتيجة واحدة، وهي انشغال جدولك اليومي إلى الحد الذي يجعل مجرد التفكير في إضافة المزيد من المهام إليه يبدو مستحيلًا. لكن، مع إدراك أن المشاركة في القيام بالمهام المنزلية يعزز الصحة العقلية، وأن التواجد في بيئة مرتبة ونظيفة من شأنه أن يساعد في إنجاز المزيد من المهام؛ فالأمر يستحق المحاولة.

ابدأ بالمهام البسيطة

يؤجل معظم الناس المهام المنزلية لأنها تبدو شاقة ومرهقة إلى حد كبير. لكن للتغلب على ذلك الشعور وبدلًا من تأجيل ترتيب المنزل بأكمله إلى عطلة نهاية الأسبوع، يمكنك تحديد مهمة بسيطة لكل يوم، على سبيل المثال: طي الملابس وترتيب خزانة ملابسك في يوم ثم ترتيب المكتب في اليوم التالي، ثم تنظيف المطبخ في يوم لاحق.

بمعنى آخر، التزم بإنجاز مهمة واحدة كل يوم، لتجد نفسك -دون أن تشعر- في بيئة مرتبة ونظيفة دون أن ترهق نفسك أو تحتاج إلى تخصيص عطلة نهاية الأسبوع بأكملها لترتيب المنزل. يكمن السر في طريقة تعاملك مع المهام المنزلية، فبدلًا من إرهاق نفسك بالتفكير وتأجيل جميع المهام لإنجازها سويًا في وقت واحد، احرص على تقسيم تلك المهام وإنجازها شيئًا فشيئًا على مدار الأسبوع.

تحديد وقت معين للمهام المنزلية

إن تخصيص وقت محدد في اليوم للقيام بمهمة معينة يجعلك أكثر التزامًا بتأديتها ودمجها ضمن روتينك اليومي. على سبيل المثال، يمكنك تخصيص ثلاثين دقيقة يوميًا لتنظيف وترتيب المنزل. يمكنك البدء بغرفة نومك إذا أردت، لتضمن خلق بيئة أكثر هدوءًا تساعدك على النوم بشكل أفضل.

وفي حين أن تحديد بضعة دقائق يومية لترتيب المنزل قد لا يبدو كافيًا، إلا أنه باتباع تلك الطريقة، يمكنك تحقيق أكثر بكثير مما قد تتخيله، فأنت لا تغمر نفسك بالتفكير في مهام كثيرة، قد يبدو إنجازها دفعة واحدة مرهقًا. 

المهام المنزلية مهمة أسرية وليست فردية

في حين أن طلب المساعدة من الآخرين قد يكون صعبًا في كثير من الأحيان، إلا أن إدراك أن المهام المنزلية ليست مهمة فردية، بل إنها واجب على كل أفراد الأسرة، يجعل القيام بتلك المهام أبسط بكثير. 

لذا، فإن التحدث إلى الشريك وتعليم الأطفال ضرورة المشاركة في المهام المنزلية من شأنه أن يسهل الحفاظ على ترتيب ونظافة المنزل، بل وتعزيز العلاقات الأسرية، ويجعل الجميع يستفيد بالتأثيرات الإيجابية للقيام بتلك المهام. 

احذر "وسواس النظافة"

إذا كنت من محبي المسلسل الكوميدي الشهير "فريندز"، فلعلك لاحظت سلوك "مونيكا" الغريب ورغبتها الدائمة في تنظيف كل ما حولها، ما يؤثر على حياتها بل ويزعج الآخرين من حولها.

ففي حين أنه لا حرج في أن تكون دائم الاهتمام بنظافة وترتيب منزلك كوسيلة لتهدئة أعصابك، إلّا أن ما زاد عن الحد انقلب إلى الضد، إذ يتحول الأمر لمشكلة عندما تبدأ رغبتك في إبقاء منزلك مرتبًا هوسًا لا يمكنك السيطرة عليه.

على سبيل المثال، إذا جعلتك رغبتك في تنظيف المنزل تبالغ في إلغاء خططك مع أصدقائك، لأنك لم تنته من جميع مهام التنظيف الخاصة بك، كذلك إذا لاحظت أنك تبالغ في ترتيب المنزل إلى الحد الذي يؤثر على صحتك الجسدية أو يؤثر على جدولك اليومي بشكل يجعلك تتأخر عن العمل أو المدرسة، فقد يكون كل ذلك إشارة خطر إلى اهتمامك الزائد بنظافة منزلك الذي كاد أن يصبح هوسًا.

أخيرًا، جرى العرف خطئًا بتسمية المهام المنزلية ب"الأعباء" المنزلية نتيجة المفاهيم الخاطئة. فبالقليل من تنظيم الوقت ودمج بعض العادات البسيطة في الروتين اليومي، مع إدراك أهمية المشاركة الأسرية، تصبح تلك المهام وسيلة فعّالة لتعزيز الصحة العقلية للأشخاص، بل وتوطيد علاقات أفراد الأسرة.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share