متلازمة المحتال

متلازمة المحتال | هل أستحق هذا النجاح؟

هل حققت يومًا إنجازًا ما -صغيرًا كان ام كبيرًا- ونال تقدير من حولك، ليتركك تدور في حلقة مفرغة من الخوف من اكتشاف هؤلاء أنك مجرد محتال لا يستحق ذلك التقدير؟ اطمئن، لست وحدك.

قبل وفاته بفترة قصيرة، تحديدًا في عام 1955، صرح عالم الفيزياء الشهير "ألبرت أينشتاين" بأن التقدير المبالغ فيه لأعماله، كثيرًا ما يجبره -بغير إرادته- على التفكير بأنه يحتال على الناس.

لا يقتصر الأمر على "أينشتاين" فحسب، بل شمل أيضًا الروائية الشهيرة "مايا أنجيلو" التي حازت العديد من الجوائز المرموقة، كما رُشحت للفوز بجائزة "بوليتزر" في عام 1972، حيث صرحت  بأنها كتبت 11 كتابًا، وفي كل مرة، كانت تنتظر أن يُكتشف أمرها.

هل ينبع ذلك من تواضع تلك الشخصيات الهامة، أم أن للأمر بعدًا آخر؟ ما الذي يدفع مثل تلك الشخصيات المرموقة للتفكير بهذا الشكل؟ إنها "متلازمة المحتال" 

هل أعاني متلازمة المحتال؟

استُخدم مصطلح "متلازمة المحتال" للمرة الأولى في السبعينيات من القرن الماضي من قِبَل عالمتي النفس "بولين روز كلانس" و "سوزان آيمس" في المقالة التي نُشرت بعنوان "متلازمة المحتال في النساء ذوات الإنجازات" 

تشير متلازمة المحتال إلى اعتقاد الفرد بأنه -على عكس ما يتصور الآخرون- غير مؤهل لتحقيق الإنجازات التي تنال إعجاب وتقدير الآخرين. ينطبق هذا التعريف على الإنجازات المتعلقة بذكاء الفرد، كما ترتبط بشكل أخص بالشخصيات التي تنشد الكمال.

متلازمة المحتال هي شعور الفرد بأنه زائف، يترقب اكتشاف الناس احتياله، وكأنه لا ينتمي إلى مكانه، ولم يحقق أي من إنجازاته سوى عن طريق الحظ. لا يقتصر ذلك الشعور على أصحاب المكانات المرموقة، ومحققي الإنجازات الكبيرة فحسب، بل يمكنه التأثير على أي شخص، بغض النظر عن وضعه الاجتماعي، أو مستوى مهاراته، أو درجة خبرته في مجال ما.

تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 70% من البالغين يتعرضون لذلك الشعور بالزيف والاحتيال على الآخرين -ولو لمرة واحدة في حياتهم- عند تحقيق الإنجازات، الصغيرة والكبيرة على حد سواء.

ولعل أبرز الصفات المميزة لمتلازمة المحتال هي:

  • عدم القدرة على تقييم الكفاءة والمهارات الفردية بواقعية.
  • نسب النجاحات والإنجازات الفردية إلى عوامل خارجية.
  • اللوم الدائم للنفس وانتقاد الأداء.
  • الخوف المستمر من عدم الرقي إلى مستوى التوقعات.
  • الشعور بانحطاط الذات، والشكوك الدائمة بقدرتها.
  • تحديد أهداف صعبة ومهام قاسية، ثم الشعور بخيبة الأمل عند التقصير في تأدية تلك المهام.
متلازمة المحتال, ساينتفك عرب

الأنماط المختلفة لمتلازمة المحتال 

تصف الباحثة الرائدة د. "فاليري يونغ" خمسة أنماط مختلفة لمتلازمة المحتال في كتابها "الأفكار السرية للنساء الناجحات: لماذا يعاني الناجحون متلازمة المحتال، وكيف يتخطونها؟" التي أصدرته في عام 2011.

اعتمدت "يونج" في تحديد تلك الأنماط على الاعتقادات المختلفة للأفراد فيما يتعلق بمفهوم الكفاءة الفردية، وصنفتها كما يلي:

- السعي للكمال

تركز هذه الشخصية تركز في المقام الأول على كيفية القيام بالأشياء، بدرجة تصل للكمال والمثالية، ليس فقط على مستوى الأعمال والمهام المطلوبة، بل في كل جانب من جوانب الحياة.

وعلى الرغم من العمل الشاق والجهد المبذول في تحقيق الكمال، إلّا أن عدم واقعية الهدف يجعله مستحيلًا، ما يدفع الفرد لانتقاد أبسط الأخطاء التي ارتكبها في أثناء تأدية المهام، معتقدًا أنها السبب وراء الفشل في تحقيق "الكمال". كما يُشعِر الفرد بالخجل من جراء ذلك "الإخفاق". 

بمرور الوقت، يؤدي ذلك السلوك إلى تجنب تجربة أشياء جديدة، ما لم يكن واثقًا تمامًا من قدرته على تأديتها "بمثالية" ومن المرة الأولى. 

- العبقرية الطبيعية

يعتمد هذا النمط على الاعتقاد بأن الأشخاص ذوي الكفاءة هم من يستطيعون اكتساب المهارات دون جهد، أي الذين يتمتعون بـ "عبقرية طبيعية"، يدفع هذا الاعتقاد بصاحبه للشعور بعدم كفاءته عند إيجاد صعوبة في تعلم بعض المهارات وأداء المهام الصعبة التي تحتاج إلى بعض المجهود.

يعتقد هذا النمط من الشخصيات بأن عدم القدرة على اكتساب المهارات بسهولة وتأدية المهام من المرة الأولى يعد فشلًا يستحق الإحساس بالدونية.

- البطل الخارق

يربط هذا النمط من الشخصيات مقياس النجاح بقدرة الفرد على التميز في كافة الأدوار التي يلعبها في حياته اليومية؛ دوره كطالب أو صديق أو ابن، وأن التقصير -وإن كان بسيطًا- في أي من تلك الأدوار، يجعله لا يستحق الثناء أو التقدير على أي من نجاحاته.  

- الخبير

يرغب هذا النمط من الشخصيات في تعلم كل شئ قبل الإقرار بنجاح عمل ما، فيقضي الكثير من الوقت في البحث عن المزيد من المعلومات -التي لا تكون مفيدة في أغلب الأحيان- حول هذا الموضوع. 

يعتقد هذا النمط من الشخصيات في ضرورة أن يكون لديه إجابات وافية لجميع الأسئلة المتعلقة بالمهمة التي يؤديها، ما يجعل عدم توفر إجابة لديه عن سؤال بعينه، كافيًا تمامًا للشعور بالإخفاق، وعليه الشعور بأنه مجرد محتال لا يستحق الثقة التي يمحنها أياه الآخرون لأداء المهام المختلفة.

- المنفرد

يؤمن هذا النمط من الشخصيات بضرورة تأدية جميع المهام منفردًا حتى يعد ذلك نجاحًا، حيث يعتقد بأن طلب المساعدة، وعدم القدرة على تحقيق الإنجازات بشكل مستقل، يمثل إخفاقًا وليس نجاحًا ينال عنه تقديرًا.

اقرأ أيضاً:  دليلك لفهم ابنك المراهق وكيفية التعامل معه

لا يمثل طلب المساعدة بالنسبة لذلك النمط المنفرد مجرد فشل في تحقيق المهام فحسب، بل يُعد أيضًا إقرارًا بأوجه القصور الشخصية التي يحاول الفرد إخفاءها.

ما السبب وراء تلك المشاعر؟

ليس هناك سببًا واضحًا لمعاناة الفرد متلازمة المحتال، لكن هناك بعض العوامل التي قد تثير تلك المشاعر، مثل:

- بيئة الطفولة

قد تتطور تلك المشاعر في حال تعرض الفرد لظروف من الضغط المستمر في أثناء الطفولة، خاصةً من الوالدين، وتتمثل تلك الظروف في:

  • المقارنة المستمرة بالأشقاء أو بالآخرين عمومًا.
  • التأكيد الدائم من الوالدين على تمتع الطفل بذكاء طبيعي، وعلى عكس المتوقع، فإن ذلك لا يعزز ثقة الطفل بنفسه، بل قد يدفع الطفل للشعور بالإخفاق عند إيجاد صعوبة في محاولة فهم شيء ما.
  • الآباء المسيطرون أو المفرطون في الحماية، ما يمنع الفرد من تجربة العديد من الأشياء في طفولته.
  • الانتقاد المستمر للأخطاء، وإن كانت بسيطة.

وعلى غرابة الأمر، قد يساهم النجاح الدراسي في المراحل الأولى من الدراسة التي تتسم بسهولتها النسبية، وتلقي الطالب للثناء خلالها على معظم مجهوداته، إلى معاناته لاحقًا متلازمة المحتال، حيث يتطور لديه الشعور بالزيف والاحتيال على الناس، خاصةً عند الالتحاق بالجامعة؛ حيث يتولد لدى الطالب اعتقاد بأن زملاءه في الجامعة أكثر ذكاءً ومهارة منه، عندما لا يتلقى الثناء الذي اعتاده من قبل، ما يدفعه للشعور بأنه لا ينتمي إلى ذلك المكان.

- السمات الشخصية

تشير الدراسات إلى ارتباط بعض السمات الشخصية للفرد بتطور شعور الفرد بالاحتيال على الناس مع كل نجاح أو إنجاز صغير. ولعل أبرز تلك السمات الشخصية هي:

  • انعدام الثقة بالنفس وبقدرتها على التعامل مع المواقف وتحمل المسؤوليات التي تتطلبها المهام المختلفة بنجاح.
  • السعي المستمر نحو الكمال.
  • الشخصية العصابية، التي تتسم بميلها إلى التفكير بالمشاعر السلبية، ما يفاقم مشاعر القلق والاكتئاب الذي يصل إلى الشعور بالدونية.

- المسؤوليات الجديدة

عند الإقدام على مرحلة جديدة، سواء في التسلسل الأكاديمي أو على المستوى المهني، قد يجد الفرد نفسه حبيسًا لتلك الأفكار التي تجعله يهاب تلك المسؤوليات الجديدة الواقعة على عاتقه؛ حيث يخاف عدم قدرته على تحقيق التوقعات التي يطمح إليها، كما يخاف عدم قدرته على مواكبة مستوى أقرانه في نفس المكان. 

تتلاشى تلك المشاعر السلبية مع فهم المهام المطلوبة والانخراط في تلك المسؤوليات، خاصةً في وجود الدعم المناسب من الأقران والمشرفين على العمل على حد سواء، لكنها قد تتفاقم بشكل كبير في غياب تلك العوامل، ما يترك الفرد متشككًا في استحقاقه للانتماء إلى ذلك المكان. 

ما الذي يمكن فعله حيال تلك المشاعر؟

اعترف بمشاعرك

إن اعتراف الشخص بتلك المشاعر التي يعانيها، يضعه على الطريق الصحيح للتعامل مع تلك المشاعر. يمكن تحقيق ذلك عن طريق الإفصاح عن المشاعر مع شخص موثوق، فالتحدث عنها يشجع الجميع لفعل الأمر نفسه، ما يجعل الفرد يدرك أنه لا يعاني شيئًا غريبًا، بل يشعر به الكثيرون.

ابن علاقات جيدة

إن السيطرة على الرغبة في تأدية جميع المهام بصورة منفردة يمثل عاملًا هامًا في التخلص من الشعور بالاحتيال. يمكن تحقيق ذلك بالاعتياد على  توزيع المهام، وطلب المساعدة من الآخرين، ما يتيح الفرصة لاستغلال نقاط القوة التي يتمتع بها كل مشارك في المهام المطلوبة، وتقليل فرص حدوث الأخطاء، وبذلك نضمن أداء المهمة بصورة أفضل.

تحدى شكوكك

عندما يراودك الشعور بعدم استحقاقك للتقدير عن إنجازاتك، فكر في مدى منطقية هذا الاعتقاد، وابحث عن الأدلة التي تثبت العكس. على سبيل المثال، إذا كنت تفكر في طلب ترقية في عملك، قد يراودك الشعور بأنك لا تمتلك المهارات الكافية لتحمل مسؤوليات جديدة، وربما تفكر في ذلك الخطأ البسيط الذي ارتكبته مسبقًا في أحد مشروعات العمل، وأن ذلك الخطأ سيمنعك من الحصول على الترقية. ربما تشعر أيضًا أن مدح الآخرين لك لا يتعلق بجودة عملك، بل هو بدافع الشفقة.

في ذلك الوقت، تحدى كل تلك الاعتقادات، فكر بواقعية، فليس من المنطقي أن يخدعك أقرانك كل ذلك الوقت، وليس منطقيًا أن تتمسك شركة بِرُمَّتها بموظف لا يؤدي وظيفته بطريقة صحيحة. بل الأوقع أن يكون تلقيك الثناء على المهام التي تؤديها يمثل إشارة جيدة وإثباتًا قويًا لكفائتك وجودة عملك. 

لا تقارن نفسك بالآخرين

لكل منا صفاته الخاصة التي تميزه عن الآخرين. لذا، قد لا تتميز في كل عمل تقوم به، وقد لا تتفوق في كل مهمة تؤديها، فببساطة لا يمكن لشخص واحد التميز في كل شيء. تقبل احتياجك لبعض الوقت والتدريب لإتقان مهارة معينة، حتى وإن تمكن أقرانك من اكتساب تلك المهارة بشكل أسرع.  

وبدلًا من استخدام نجاحات الآخرين لتسليط الضوء على إخفاقاتك، استغل مهاراتك الخاصة لتطوير القدرات التي تتميز بها، لإرضاء نفسك أولًا وأخيرًا، وليس لمقارنة نفسك بالآخرين.

أخيرًا، إن ربط النجاح بالكمال والمثالية، هو السبب الرئيس لشعور الفرد بعدم استحقاقه للتقدير والثناء على إنجازاته. إن الحفاظ على منظور واقعي وتقبل ضعف النفس والأخطاء البشرية، من شأنه أن يساعد في تقليل ذلك الشعور بعدم الاستحقاق، والتخلص مما يُطلق عليه "متلازمة المحتال".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share