تستيقظ صباحًا على صوت المنبه، لتستغرق بعض الثواني قبل أن تدرك أن اليوم الجديد قد بدأ، عليك الاستعداد للذهاب إلى الجامعة أو العمل، كما هو الحال يوميًا. لكن أول ما تلمسه يديك هو الهاتف، تفتح صفحتك على الفيس بوك، لتطالع جديد الأخبار، فتنتابك حالة من الضيق والسخط.
لماذا يستمتع الجميع بحياتهم؛ يسافرون ويسهرون ليلًا وتشع صورهم بالسعادة، بينما أنا وحدي من ينام مبكرًا ويستيقظ في الصباح ليعاني الزحام والضوضاء في الطريق، قبل بدء يومي الذي لا جديد فيه؟
من السهل أن تصبح سعيدًا أو على الأقل راضيُا عن حياتك، لكن أن تصبح أكثر سعادة من الآخرين؟ طالما كان الأمر بغاية الصعوبة، فما بالك في عصر وسائل التواصل الاجتماعي؟ حيث يعرض الجميع دائمًا اللقطة الأفضل في حياتهم مع العديد من الفلاتر.
فومو/ الخوف من فوات الشيء
في عام 2013، أُضيف مصطلح "FOMO - Fear Of Missing Out" إلى قاموس أكسفورد الإنجليزي للتعبير عن حالة الخوف من فوات الشيء، وهو شعور بالتوتر أو القلق ينتاب الشخص عند إدراكه بأن الآخرين يتمتعون بمزيد من المرح، أو يعيشون حياة أفضل، أو يمرون بتجارب أكثر متعة. إلى جانب شعوره الدائم بالرغبة في متابعة مختلف الأحداث والمستجدات التي يمكنه الوصول إليها.
غالبًا ما يرتبط هذا الشعور بإحساس عميق بالحسد أو الغيرة، كما يؤثر في شعور الفرد بمرتبته الاجتماعية، فيفترض أنه بمرتبة منخفضة لا تسمح له بالاستمتاع بالحياة بالشكل المطلوب، ما يؤثر على ثقته بنفسه ويتسبب في الشعور بالقلق والدونية. لا يقتصر الأمر على الشعور بأن هناك أشياء أفضل يستمتع بها الآخرون فقط، ولكن يمتد للشعور بأنك تفتقد لشيء مهم وأساسي في الحياة، بينما يختبره الآخرون الآن.
يُعد الشعور بالخوف من فوات الشيء شائعًا بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 33 عام، حيث أشارت إحدى الدراسات الاستقصائية أن حوالي ثلثي الأشخاص في هذه الفئة العمرية يختبرون هذا الشعور بانتظام. غالبًا ما تتفاقم هذه المشكلة بسبب استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وخاصةً فيسبوك وانستجرام.
الفومو ووسائل التواصل الاجتماعي
يعتقد البعض أن فكرة الخوف من فوات الشيء ليست ظاهرة جديدة مرتبطة بعصرنا الحالي، ومع ذلك فإن دراسة هذه الظاهرة لم تكن موجودة قبل عقود قليلة، فقد ظهر هذا المصطلح على يد خبير استراتيجيات التسويق الدكتور "دان هيرمان" عندما أشار إليه في ورقة بحثية عام 1996.
على مدار السنوات اللاحقة لظهور مصطلح الـFOMO، اهتم الباحثون بدراسة هذه الظاهرة ومدى انتشارها، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت هذه الظاهرة أكثر وضوحًا، حيث ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في زيادة حدة وانتشار هذه الظاهرة بعدة طرق.
أولًا: توفر وسائل التواصل الاجتماعي بيئة مثالية للمقارنة بينك وبين الآخرين، فبينما تشعر بأن حياتك عادية وروتينية، ترى أبرز الأحداث المثيرة في حياة الآخرين، وبذلك يتحول شعورك بالرضا عن حياك العادية، إلى شعور بالسخط كونك الوحيد الذي تفوته المتعة والمرح.
ثانيًا: قد يكون الهدف الأساسي من إنشاء منصات التواصل الاجتماعي هو زيادة الشعور بالتواصل بين الناس، ولكنه أتى أيضًا بضريبة مكلفة، فقد أصبح الجميع على علم بما يفعل الآخرون في حياتهم، ما قد يجعلك ترى صورة لأصدقائك وهم يستمتعون من دونك أو ترى صور تجمع عائلي لم تُدع إليه، فتشعر بالحزن والوحدة وبأنك لست مرغوبًا من الآخرين، وهو ما لم يكن يحدث بسهولة في الأجيال الماضية قبل ظهور هذه المنصات.
ثالثًا: قد تكون وسائل التواصل الاجتماعي بمنزلة منصة للتباهي والتفاخر بين الناس، فالجميع ينشر أفضل ما لديه، وسواءًا جرى الأمر بقصد أو دون قصد، يدخل الجميع في سباق وهمي لاستعراض ما لديهم، والشعور بالتميز عن الآخرين. يقارن الأشخاص دون وعي بين هذه التجارب التي تبدو مثالية، وبين ما يعيشون في واقعهم، متسائلين عما يفتقرون إليه للوصول لهذه السعادة.
في دراسة جديدة، نُشرت في مجلة "Computers in Human Behavior"، عن الارتباط بين مستوى شعور الأفراد بالخوف من فوات الشيء واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مفرط.
أجرى الباحثون تحليل إحصائي يدمج بين نتائج العديد من الدراسات العلمية السابقة، ولكن تميزت هذه الدراسة بحجم عينة أكبر، فقد بلغ إجمالي عدد المشاركين أكثر من 21 ألف شخص من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، من أعمار مختلفة.
جاءت النتائج واضحة، فالأشخاص الذين يعانون هذه الظاهرة، كانوا الأكثر استخدامًا لوسائل التواصل الاجتماعي بشكل مفرط، وهو ما لم يؤثر به عمر أو جنس الشخص مطلقًا، كذلك وجد الباحثون أن هؤلاء الأشخاص كانوا أكثر اكتئابًا وشعورًا بالقلق والعصبية، مقارنةً بغيرهم ممن لا يتأثرون كثيرًا بالـFOMO، إضافةً إلى ذلك، ارتبط ارتفاع نسبة الخوف من فوات الشيء بالخوف المتزايد من التقييم السلبي.
إحصائيات عن الـFOMO
أسباب ظاهرة الخوف من فوات الشيء
يميل البشر فطريًا للوجود في مجموعات، فهذا يوفر الشعور بالأمان، ثم أن فكرة الانتماء لكيان أو مجموعة بعينها تعزز من الصحة العقلية للإنسان، وتجعله أكثر ثقة بنفسه وأقل شعورًا بالوحدة، ولذلك يُعد الشعور بالإقصاء حدثًا مهمًا بالنسبة لنا، ما يدعمه وجود جزء متخصص في المخ لاستشعار الإهمال والاستجابة له سريعًا.
تعد اللوزة - amygdala أحد أجزاء المخ، المسؤولة بشكل مباشر عن ما يمكن أن يمثل تهديدًا على حياة الإنسان. بمجرد شعور الشخص بالوحدة وعدم الانتماء لمجموعة بعينها، فهذا كافٍ تمامًا لتحفيز اللوزة على الاستجابة لهذا الشعور، بزيادة التوتر ورفع حالة الاستعداد للدرجة القصوى، بالدخول في حالة "الهروب أو المواجهة" تمامًا كما لو كانت الوحدة خطرًا يهدد الحياة.
تفسر هذه الزيادة في هرمونات التوتر، الشعور العارم بالحزن المرتبط بالشعور بالوحدة وعدم الانتماء، ما يدفع الشخص لمحاولة التخلص من هذا الشعور، بمضاعفة الجهد المبذول للانخراط في كل الأحداث وعدم تفويت شيء بالمرة، ما ينتهي عادةً بالدخول في حالة مستمرة من السعي للتحقق من ذلك.
عند الوصول لهذه المرحلة، لا يفارق الشخص هاتفه أبدًا، فيتابع كل الأخبار والأحداث والصور، ويشارك في التعليقات ويسعى لإظهار حياته بالصورة التي تظهر عليها حياة الآخرين، كما يشعر بالتهديد إذا ما ابتعد قليلًا عن حالة المتابعة المستمرة، ما يتسبب عادةً في الشعور بالمزيد من التوتر والقلق.
المخاطر المرتبطة بالـFOMO
يؤثر الشعور بالقلق المفرط من تفويت شيء ما على مدى جودة الحياة، كما يؤثر في الصحة العقلية للإنسان، فبدلًا من التركيز على النفس لتطويرها والتعامل معها، يصبح التركيز منصبًا على الآخرين، ما يؤدي لفقد الإحساس بالهوية المستقلة والشعور بالدونية وعدم احترام الذات والتقليل من الشأن.
كشفت إحدى الدراسات عن أنه كلما زاد الوقت الذي يمضيه الشخص في تصفح الفيس بوك، كلما ازداد الشعور بالسوء دقيقة بعد الأخرى، حيث يشعر المستخدمون بحاجتهم المُلّحة للبقاء على الموقع لوقت أطول ومتابعة الجديد بشكل مستمر، ما يؤثر على شعورهم بالرضا عن النفس ونمط الحياة.
كشفت دراسة أخرى عن أن ثلث المستخدمين لموقع فيس بوك شعروا بالسوء خلال تصفحهم للموقع، خاصةً عند مشاهدة صور لأشخاص آخرون يستمتعون بقضاء العطلة في أماكن بعينها.
كذلك كشف المسح الوطني للتوتر والرفاهية في أستراليا، أن 60% من المراهقين شعروا بالقلق عندما اكتشفوا أن أصدقاءهم يستمتعون بدونهم، وقال 51% منهم أنهم يشعرون بالقلق لمجرد أنهم لا يعرفون ما يقوم به أصدقاءهم في الوقت الراهن، وإضافةً إلى ذلك، أكد الباحثون على وجود ارتباط قوي للغاية بين عدد الساعات التي يقضونها في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، وارتفاع معدلات الإصابة بالقلق والاكتئاب.
كذلك، قد يدفع هذا الشعور بالكثير من المراهقين لتجربة المخدرات والسجائر والمشروبات الكحولية، فقط من أجل مواكبة الأصدقاء والتشبه بالمشاهير الذين يتابعونهم على هذه المنصات. كما يؤثر الخوف من فوات الشيء على مستوى التركيز، حيث وجد الباحثون أن المراهقين الذين يعانون هذا الخوف، هم الأكثر تشتتًا في الفصل، حيث ينشغلون بمتابعة الأحداث أكثر من انشغالهم بالدراسة.
كذلك يؤثر الـFOMO على مستوى التركيز في أثناء القيادة، حيث يخشى الشباب في هذه الحالة تفويت أي حدث جديد، للحد الذي يصل بهم لمتابعة هواتفهم في أثناء القيادة والرد على التعليقات أو مشاهدة مقاطع الفيديو والصور، ما يؤدي لزيادة احتمالات التعرض لحوادث السير، ويعرض الشخص لمخاطر صحية وجسدية كبيرة، فضلًا عن الأضرار النفسية والعقلية.
كيف نتغلب على "الفومو" في حياتنا
ينصح الخبراء باتباع بعض النصائح التي من شأنها التخفيف من حدة وآثار الخوف من فوات الشيء، وهي إلى ذلك تساعد على الحد من التعلق بوسائل التواصل الاجتماعي التي غالبًا ما ترتبط بزيادة الشعور بالتوتر والقلق.
1- غير وجهة نظرك
بدلًا من التركيز على ما تفتقر إليه، لاحظ ما لديك. قد يكون التنفيذ أكثر صعوبة من القول، ولكن يمكن فعل ذلك بتغيير محيطك على وسائل التواصل الاجتماعي، بالابتعاد عن المتباهين قدر الإمكان، وزيادة التواصل مع الأشخاص الإيجابيين الذين يدعمون من ثقتك بنفسك.
2- احتفظ بالذكريات
من الشائع نشر أحدث الصور والكتابة عن اللحظات الممتعة على وسائل التواصل الاجتماعي، كرغبة في الاحتفاظ بالذكريات، ولكن عادةً ما يشعرك هذا بأن الآخرين يقيمون تجربتك الخاصة، في هذه الحالة وبدلًا من القلق من تقييم الآخرين، احتفظ ببعض الصور واكتب ما تحب عن لحظاتك السعيدة في دفتر مذكرات تحبه، بدلًا من عرضها على وسائل التواصل.
يساعد هذا الأمر في تغيير المنظور، فبدلًا من السعي لإرضاء الآخرين، ستجد نفسك سعيدًا بما تحققه، وممتنًا لما يجعل حياتك رائعة، دون الوقوع في مقارنة لن تخرج منها فائزًا مهما فعلت، كما يمكن لكتابة المذكرات والاحتفاظ بالصور أن تخفف من الرغبة المستمرة في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
3- ابحث عن علاقات حقيقية
قد يحفز الشعور بالاكتئاب أو القلق الرغبة في التواصل، ومع ذلك فلا تمثل مواقع التواصل الاجتماعي الحل الأمثل لهذه المشكلة. بدلًا من التعبير عن مشاعرك على صفحتك الشخصية وانتظار التعليقات والإعجابات، التي غالبًا ما تزيد الوضع سوءًا، تحدث مباشرةً إلى صديق أو رتب لقاءًا شخصيًا معه، بحيث يمكنك التعبير عن مشاعرك وتلقي الدعم بشكل أفضل.
4- عبر عن الامتنان
تشير الدراسات إلى أن الانخراط في الأنشطة التي تعزز من الشعور بالامتنان مثل كتابة المذكرات اليومية أو التعبير ببساطة عن الامتنان لأشخاص بعينهم، يمكن أن يرفع من معنوياتك وكذلك معنويات الآخرين.
يدعم الشعور بالامتنان للأشياء والأشخاص من القدرة على التركيز على ما تمتلكه، في مقابل ما تفتقد إليه، ما يجعلك تشعر بالرضا وتقدير الذات، كما يحسن من حالتك المزاجية، فتستمتع بممارسة الحياة دون عقد الكثير من المقارنات.
طرق التغلب على FOMO
في النهاية، قد لا نستطيع الاستغناء عن وسائل التواصل الاجتماعي بشكل نهائي، ولكن يمكننا دومًا التحكم في زمام الأمور، والاستفادة بما يمكن أن تمنحنا إياه من ميزات للتواصل السريع، دون الدخول في متاهة المقارنة والخوف من فوات الشيء أي شيء.