في أواخر عام 1971، عاد محارب البحرية المخضرم ستيفن إيسلاس من فيتنام، لكن الحرب بقيت عالقةً في رأسه. يتذكر إيسلاس: "اقتربت جدًا من الانتحار بعدما عدت إلى المنزل، لقد كنت متضررًا عاطفيًا ونفسيًا". في حرم كليته بـ لوس أنجلوس، اقترح عليه صديق أن يحضر جلسةً عن التأمل. كان مشككًا، لكن رأيه تغير في وقت قصير قائلاً:"كانت هناك لحظات شعرت فيها بالتحول، حيث كنت سعيدًا. أود تجربة هذه الفترات من الهدوء ".
بعد ستة وأربعين عامًا، يقول إيسلاس إنه لم يحرر نفسه تمامًا من اضطراب ما بعد الصدمة، والذي تم تشخيصه رسميًا به في عام 2000 في مركز فيرجينيا ويست لوس أنجلوس الطبي. لكنه مقتنع بأن التأمل أنقذ حياته.
تُتاح اليوم أشكال مختلفة من التأمل بشكل روتيني للمحاربين القدامى المصابين باضطراب ما بعد الصدمة. كما يُوصف بأنه وسيلة علاجية لمساعدة أي شخص يعاني من بعض الحالات والاضطرابات بما في ذلك التوتر والقلق والاكتئاب والإدمان والألم المزمن. على نطاق أوسع، أصبح التأمل رائجًا كطريقة لتحسين الأداء البشري، كما أصبح متوفّرًا أكثر في الفصول الدراسية والشركات وغرف تبديل الملابس الرياضية والهواتف الذكية للأفراد من خلال تطبيقات الإنترنت مثل Headspace”"و "”Calm.
التأمل "اليقظ" - نوع من التأمل الذي يهدف لتركيز العقل على اللحظة الحالية -يحظى بشعبية كبيرة، وقد أصبح هذا المجال تجارة بمليارات الدولارات، وفقًا لشركة أبحاث السوق IBISWorld. على الرغم من شعبيته، لا يزال من غير الواضح بالضبط ما يفعله التأمل اليقظ للدماغ البشري، وكيف يؤثر على الصحة وإلى أي مدى يساعد الأشخاص الذين يعانون من المشاكل الجسدية والعقلية. مورِس التأمل منذ آلاف السنين، لكن علماء النفس وعلماء الأعصاب درسوه لعقود قليلة فقط.
تشير بعض الدراسات إلى أن التأمل يمكن أن يساعد الناس على الاسترخاء والتحكم في التوتر المزمن وحتى تقليل الاعتماد على مسكنات الألم. تتضمن بعض أكثر الدراسات إثارة للإعجاب حتى الآن علاجًا يُسمى العلاج المعرفي القائم على اليقظة، والذي يجمع بين التأمل والعلاج النفسي لمساعدة المرضى على التعامل مع الأفكار التي تؤدي إلى الاكتئاب. أظهرت التجارب العشوائية المنظبطة (تجارب يتم توزيع المتطوعين فيها عشوائياً بواحدة أو أكثر من وسائل العلاج المختلفة الخاضعة للدراسة) أن هذا النهج يقلل بشكل كبير من خطر الانتكاس الاكتئابي لدى الأفراد الذين سبق أن عانوا من ثلاث نوبات اكتئاب كبرى أو أكثر.
لكن العديد من الدراسات الأخرى حول تأثيرات التأمل استخدمت فقط أعدادًا قليلة من الأشخاص، وافتقرت إلى المتابعة، وفي العموم كانت أقل صرامة من الناحية العلمية من الدراسات الطبية الأخرى - التجارب السريرية للأدوية الجديدة على سبيل المثال. لخص مقال نُشر عام 2017 في مجلة PTSD Research Quartely الأدلة على فعالية التأمل كعلاج لاضطراب ما بعد الصدمة: "هذا النوع من البحث لا يزال في مراحله الأولى نسبيًا".
بينما تستمر الأسئلة حول النتائج السريرية للتأمل، ركزت دراسات أخرى على قضية جوهرية أكثر أهمية: هل يغير التأمل تركيب الدماغ؟ إنه سؤال يصعب الإجابة عليه، ولكن مع تقدم تقنيات تصوير الدماغ وازدياد شعبية تدخلات التأمل، بدأ العلماء في إلقاء نظرة منهجية على ما يحدث.
اقرأ أيضاً التلاعب العقلي.
البحث عن السكينة
يقول عالم النفس ديفيد كريسويل، الذي يدير مختبر الصحة والأداء البشري في جامعة كارنيجي ميلون في بيتسبرغ، إن التأمل الذي يتطلب من المرء أن يجلس ساكنًا ويركز على مجرد التنفس يمكن أن يحفز اليقظة الذهنية. لكن أغلبية الناس يقضون معظم أو كل يومهم لا في شيء سوى أن يكونوا يقظين؛ ينتقلون من فكرة إلى أخرى، يعيشون أحلام اليقظة، يفكرون في الماضي ويقلقون بشأن المستقبل، يحللون أنفسهم وينتقدونها.
في دراسة أجريت عام 2010، سأل باحثون من جامعة هارفارد 2250 بالغًا عن أفكارهم وأفعالهم في لحظات عشوائية طوال اليوم عبر تطبيق على الآيفون. أفاد العلماء في مقال بدورية "Science" أن عقول الناس كانت تتشتت بنسبة 47% من الوقت، كما أن شرود الذهن كثيرًا ما يثير استياءهم. كتب كريسويل في دورية Annual Review of Psychology لعام 2017: "على النقيض من ذلك، ترتبط القدرة على اليقظة الذهنية بارتياح أعلى في الحياة اليومية". ويستشهد بدراسة أجريت عام 2003 من قبل باحثين في جامعة روتشستر تظهر وجود علاقة بين اليقظة الذهنية وعدد من مؤشرات.
عندما يقول الأشخاص الذين يتأملون أنهم ينتبهون إلى اللحظة الحالية، فإنهم يركزون على التنفس، ولكن ربما أيضًا على العواطف التي تظهر فجأة وتمضي، أو صورة ذهنية ما، أو الثرثرة الداخلية أو الإحساس الجسدي. يقول كريسويل: "إن تبني موقف من الانفتاح والقبول تجاه التجربة الذاتية أمر بالغ الأهمية" لكي تصبح أكثر وعياً. تكمن الفكرة في مشاهدة هذه اللحظات بفضول منفصل ودون أحكام.
أصبح كريسويل مهتمًا في البداية بالتأمل اليقظ عندما درس علم النفس والبوذية في المدرسة الثانوية. في وقت لاحق بالدراسات العليا، بدأ في دراسة التأمل وعلاقته بتقليل التوتر وتحسين الصحة العامة. "كعالم، لست مقتنعًا أبدًا." يقول كريسويل: "لقد تدربت على أن أكون متشككًا. "ومع ذلك، أعتقد أن هناك عددًا من التجارب التي مررت بها أثناء خلوات التأمل التي صدمتني حقًا باعتبارها أساسية للغاية."
حتى الفعل الصعب رغم بساطته المتمثل في الجلوس ساكنًا لمدة ساعة أثناء التأمل كان له تأثير كبير على Creswell. "وجود هذا الانفصال بين جسدي الذي يشعر بالألم وعقلي الصامت تمامًا والمنفتح في الوقت ذاته. كان بمثابة ملاحظات قوية جدًا بالنسبة لي حول كيف يمكن لممارسة [التأمل] أن تغير حياة الناس حقًا، أو تغير بشكل أساسي كيفية ارتباطهم بالمعاناة في حياتهم،" كما يقول. "لم تكن هناك لحظة صاعقة بالنسبة لي، ولكن كان هناك الكثير من هذه اللحظات في تجارب العلاج الخاصة بي التي أوحت لي أن الأمر يستحق قضاء الوقت والجهد في دراسة هذا العلم."
لقد شرح أشخاص من خلفيات دينية وثقافية وفلسفية مختلفة فوائد التأمل لآلاف السنين. ربما يكون التأمل مرتبطًا بشكل أكثر شيوعًا بالبوذية، التي تعتبره أداة لتحقيق السلام الروحي والرضا. يعتبر كريسويل فعل التأمل "السمة الأساسية لكونك إنسانًا."
لكن الأدلة العلمية لفوائد التأمل لا تزال مفقودة. كتبت مجموعة متعددة التخصصات من 15 باحثًا في مقال بعنوان "Mind the Hype" في إصدار يناير 2018 من دورية "Perspectives on Psychological Science": "هناك تصور خاطئ شائع في المجالات العامة والحكومية بأن هناك أدلة سريرية مقنعة على الفعالية الواسعة والقوية لليقظة الذهنية كتدخل علاجي". الحقيقة هي أن العلاجات القائمة على اليقظة أظهرت "فعالية متوسطة أو منخفضة أو معدومة، اعتمادًا على الاضطراب الذي يتم علاجه"، كما كتب العلماء، مستشهدين بتحليل تلوي عام 2014 بتكليف من الوكالة الأمريكية لأبحاث الرعاية الصحية والجودة.
وخلصوا إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث قبل أن يتمكن العلماء من تحديد أي الاضطرابات العقلية والجسدية، لدى أي من الأفراد، يمكن علاجها بفعالية من خلال التأمل اليقظ.
من بساط اليوجا إلى المختبر
إلى جانب العمل السريري، أراد علماء الأعصاب معرفة كيف يمكن للتأمل أن يغير ما يحدث بالفعل داخل الدماغ. هل يجعل مناطق معينة أكثر نشاطًا من غيرها، أم أنه يعزز روابط منطقة بأخرى؟ هل ينتج عن التأمل خلايا عصبية جديدة وتغير في بنية الدماغ فعلًا؟ تشير بعض الدراسات إلى أن الإجابة هي نعم.
درس علماء الأعصاب الآثار الجسدية للتأمل اليقظ باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) وتقنيات أخرى على مدى العقدين الماضيين. تبع ذلك التقدم إدراك متزايد بأن الدماغ البشري قابل للتغيّر فيسيولوجيًا طوال فترة البلوغ، حتى في سن الشيخوخة - قادر على تشكيل روابط جديدة وإنماء خلايا عصبية جديدة كلما يتعلم الشخص مهارة ما، أو يتحدى نفسه عقليًا أو حتى عندما يمارس مجموعة تمارين فقط. إن النظرة الجديدة للدماغ بأنه من الممكن تشكيله باستمرار من خلال التجربة، والتي يطلق عليها اسم المرونة العصبية، حلت محل الفكرة القديمة القائلة بأنه بعد العقود القليلة الأولى من الحياة، يسير المسار الفسيولوجي للدماغ في نحو التدهور. تشير عدد من دراسات التي أجريت على الدماغ إلى أن التأمل اليقظ قد يؤدي إلى مستجدات في وظيفة الدماغ وبنيته.
من خلال النظر للدماغ باستخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي، وجد العلماء أن التأمل اليقظ ينشط شبكة من مناطق الدماغ التي تشمل الجزيرة اللحائية (المرتبطة بالتعاطف والوعي الذاتي) والبطامة (المرتبطة بالتعلم) وأجزاء من القشرة الحزامية الأمامية (التي تنظم الدم والضغط ومعدل ضربات القلب والوظائف اللاإرادية الأخرى) وقشرة الفص الجبهي (محور مهارات التفكير العليا مثل التخطيط واتخاذ القرار وتعديل السلوك الاجتماعي). ومع ذلك، من غير المؤكد ما إذا كانت هذه التغييرات في نشاط الدماغ يمكن أن تستمر عندما لا يمارس الفرد التأمل، وإذا كان الأمر كذلك، فكم من الوقت يحتاج الناس للتأمل حتى يتحقق ذلك.
عندما يتعلق الأمر بالتغيرات البنيوية الفعلية في الدماغ، تشير بعض الدراسات إلى أن التأمل اليقظ قد يزيد من كثافة المادة الرمادية في الحُصين، وهي منطقة دماغية أساسية للذاكرة. وجد الباحثون، من بينهم بريتا هولزل، التي تعمل الآن في الجامعة التقنية في ميونيخ، وسارة لازار من مستشفى ماساتشوستس العام، دليلاً على ذلك في دراسة أجريت عام 2011.
على الرغم من كونها مثيرة للاهتمام، إلا أن هذه الدراسات ليست قريبة من الهدف النهائي. تقول هولزل: "نحن بحاجة إلى فهم فوائد التغييرات في الدماغ على السلوك والسعادة". "إن عبارة "تغيير الدماغ "تبدو مثيرة للإعجاب، لكننا لا نفهم ما تعنيه في الواقع".
توافق لازار: "معظم البيانات تناولت فقط التغييرات على مدار شهرين من ممارسة التأمل. يشعر معظم الناس أن التأمل يستمر في التغيير ويتعمق أكثر مع الممارسة الطويلة. لذلك نحن بحاجة إلى إجراء دراسات على الأشخاص لفترات زمنية أطول بكثير".
اختبارات الإجهاد
استنادًا إلى دراساتهم حول ممارسي التأمل، اقترح كريسويل وزملاؤه أن اليقظة الذهنية تعمل كحاجز ضد الإجهاد على وجه التحديد. يتم ذلك عن طريق زيادة النشاط في مناطق قشرة الفص الجبهي التي تُعتبر مهمة "لتنظيم الإجهاد"، مع تقليل النشاط والاتصال الوظيفي في المناطق المرتبطة بالاستجابة للتهديدات كالقتال أو الهروب، خصوصًا منطقة "اللوزة الدماغية".
يقول أنتوني كينغ، عالم النفس السريري بجامعة ميتشيغان: "فكرة أن التأمل اليقظ يؤثر في أجزاء من الدماغ مرتبطة بتنظيم الإجهاد، مقبولة على نطاق واسع بين الباحثين. لكن ما يحدث فيما يتعلق باللوزة الدماغية أقل وضوحًا" على حد قوله.
اللوزة الدماغية، هي واحدة من أكثر أجزاء الدماغ بدائية، إنها ليست مجرد مركز إنذار بسيط مرتبط بالاستجابة للتهديدات. إنما بنية مركزية لما يُسمى بالشبكة البارزة، وهي أساسية لملاحظة جميع أنواع الأشياء المهمة في بيئة الشخص. في الأم، على سبيل المثال، قد تصبح اللوزة الدماغية نشطة للغاية استجابة لوجه طفلها البهيج.
يقول كينج إن تأمل اليقظة "يساعد الناس في التزود بما يسميه المعالجون النفسيون التقليديون (التعقيل)، أي بدلاً من الاستجابة تلقائيًا بطرق معينة، فإنه يمنح الأشخاص مزيدًا من الفروق الدقيقة في قدرتهم على الاستجابة لأي نوع من المواقف -المرهقة أو المخيفة أو غير ذلك- وخلق مسافة نفسية للتعامل بشكل أفضل.
تقدم دراستان أجراهما كريسويل وزملاؤه، واحدة عام 2015 والأخرى عام 2016، بعض النتائج الأولية التي يبدو أنها تدعم وجهة نظرهم في التأمل اليقظ باعتباره عازلًا ضد الإجهاد. ركزت الدراستان على الآثار الفسيولوجية لممارسة التأمل اليقظ على مجموعات صغيرة من البالغين العاطلين عن العمل الذين يعانون من الإجهاد.
في الدراسة التي جرت عام 2015 ونُشرت بمجلة Social Cognitive and Affective Neuroscience، وجد الباحثون أن ممارسة التأمل اليقظ بكثافة على مدة ثلاثة أيام قللت من الاتصال الوظيفي بين اللوزة اليمنى، والمرتبطة باستجابة الإجهاد أثناء القتال أو الهروب، والقشرة الحزامية الأمامية تحت الركبية، التي تلعب دورًا في تعديل المشاعر.
أما الدراسة التي جرت عام 2016 ونُشرت في Biological Psychiatry، وجد الباحثون أن ممارسة التأمل اليقظ بكثافة على ثلاثة أيام أدت إلى زيادة الاتصال بين شبكة الوضع الافتراضي، وهي شبكة من المناطق التي تعمل عندما يكون الدماغ في حالة راحة، وأجزاء من قشرة الفص الجبهي المعنية بتنظيم الإجهاد. ووجدت الدراسة أيضًا أن التأمل أدى إلى انخفاض مستويات الإنترلوكين 6، وهو دلالة حيوية للالتهاب الجهازي توجد بنسب مرتفعة في الدم لدى الأشخاص المعرضين للإجهاد الشديد.
تركيزًا على اضطراب ما بعد الصدمة والقلق والألم
أظهر كينج وزملاؤه نتائج واعدة بالمثل في دراسة أجريت على 23 من قدامى المحاربين في أفغانستان والعراق ممن يعانون اضطراب ما بعد الصدمة في عام 2016 في دورية "Depression and Anxiety". كشفت فحوصات الدماغ قبل وبعد العلاج الجماعي القائم على اليقظة عن زيادة في الاتصال بين شبكة تسمح للناس بالتحكم في انتباههم وأجزاء أخرى من الدماغ تشارك في الاجترار والتفكير التلقائي. يقول كينج إن هذا الاتصال الخاص شوهد في الأشخاص الأصحاء، وكذلك الأشخاص الذين مارسوا التأمل لفترات طويلة.
يقول كينج: "المهم في دراستنا.. هو أن الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة يمكن أن يكون لديهم أيضًا هذا التغيير في أنماط اتصال الدماغ عندما يمارسون تأمل اليقظة". ويضيف أنه كلما زاد هذا الاتصال نتيجة للتدرب والممارسة، تحسنت أعراضهم"، وهو ما يلخص أحد النتائج الرئيسية للدراسة.
ثقافة الوقت الحاضر
طورت قبيلة "بيراها" في الأمازون ممارسات ثقافية ولغة تساعد الأفراد في الواقع على تركيز وترسيخ أنفسهم في الوقت الحاضر. يقتصر التواصل على الموضوعات الملموسة التي تقع ضمن التجارب المباشرة، ولا توجد ذاكرة فردية أو جماعية تعود إلى أكثر من جيلين. علق دانيال إيفريت من جامعة مانشستر في المملكة المتحدة، والذي درس قبيلة "بيراها" بشكل مكثف، في ورقة بحثية عام 2005: "هذه اللغة والثقافة الجميلة، التي تختلف اختلافًا جوهريًا عن أي شيء أنتجه العالم الغربي، لديها الكثير لنتعلّم عنه.. العيش من أجل كل يوم وترك المستقبل يتشكل من تلقاء نفسه". - بروس ليبرمان
تشير دراسات الحالات الأخرى إلى تحسينات مماثلة، على الرغم من أن العديد منها يتضمن أعدادًا قليلة من الموضوعات وقيودًا أخرى تجعلها بعيدة عن أن تكون حاسمة. ومع ذلك، قد يخفف تأمل اليقظة من أعراض اضطراب القلق العام، عن طريق زيادة الاتصال بين اللوزة الدماغية وقشرة الفص الجبهي، وبالتالي زيادة قدرة المريض على تنظيم المشاعر. يمكن للتأمل أيضًا أن يقلل إدراك الألم عن طريق تقليل النشاط المرتبط بالألم للقشرة الحسية الجسدية وزيادة تنشيط المناطق المشاركة في التنظيم الإدراكي للألم.
العمل المستقبلي
في الأساس، اليقظة الذهنية هي حالة يصعب دراستها، إنها تجربة تم إنشاؤها داخليًا وليست عقارًا يمكن للعلماء إعطائه للمريض. هذا يخلق تساؤلات عند محاولة مقارنة اليقظة الذهنية بين الأفراد، خاصةً إن جاءوا من دراسات مختلفة. علاوة على ذلك، لا يوجد تعريف معتمد عالميًا لليقظة الذهنية أو اتفاق بين الباحثين على تفاصيل ما تعنيه، كما أشارت لازار وزملاؤها في مقالة في دورية "Perspectives on Psychological Science".
في سياق اضطراب ما بعد الصدمة، يقول كينج إنه من المحتمل أن يستمر التأمل اليقظ بصفته مكملاً للعلاجات النفسية التقليدية. "لن أنصح الناس أبدًا بحضور جلسات يقظة ذهنية ظنًا منهم أن هذا سيكون مثل العلاج النفسي، لأنه ليس كذلك." يقول كينج: "إنها ليست كذلك حقًا، لكن أعتقد أن اليقظة الذهنية هي تقنية مفيدة في سياق العلاج بالنسبة لشخص يخضع لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة."
لكن الناس مثل ايسلاس الذين عانوا من مرض عقلي خطير، وغيرهم ممن يستخدمون التأمل الذهني لتخفيف التوتر اليومي يقولون إنهم مقتنعون بأن هذه الممارسة تحسن حياتهم. في يوم من الأيام، يأمل العلماء أن يتمكنوا من ربط هذه التجربة بما يحدث ماديًا في العقل المتأمل.
تم نشر هذا الموضوع بتصريح من Knowable Magazine، التي تصدرها مؤسسة Annual Reviews، وهي مؤسسة غير ربحية تعنى بأمور النشر العلمي، حيث تقوم بانتاج المحتوى المعرفي الذي يسهم بتطور العلوم المختلفة وبالتالي الارتقاء بالمجتمع. سجل الآن للاشتراك في نشرة Knowable البريدية من هنا.